
الطريق إلى “الضعين” الآن، هو أسرع طريق يمكن أن يقودك مباشرة إلى جهنم، لا إلى السماء ذات البروج وأخواتها.
وعلى أية حال، فإن طريقاً كهذا، لن يكون نزهة لعابر في التاريخ هيّأت له لحظة تيه أن يمتطي فيلاً ساحراً صعد به إلى صهوة الكلام الرّكيك.
بل، ولِعلم من لا يعلم، فإنه يتوجب على من يحلّ بالضعين في مثل هذه الظروف، ولو لبرهة قصيرة، أن يتحسس رأسه جيداً.
فهناك، في هذه المدينة، شجرة تنمو طردياً مع كل نموّ غير طبيعي يلعب برؤوس البشر.
هي شجرة غرسها رجل صالح في روع موظف إنجليزي، فظلّت تنمو معه كلما ترقّى في سُلَّم الوظائف.
بل ربما لم يغادره الشعور بتعملقها وتطاولها في المكان (X)، حتى بعدما غادر السودان، ولم تغادره هي، وفاءً بذلك النذر.
تلك الشجرة التي كسرت صلف مفتش إنجليزي متهور، لا تزال إلى اليوم في مكانها، تنتظر استئناف مهمتها ضد أي متطاول من نوع أولئك الذين يقولون اليوم:
“أبيدوا أهل الضعين عن بكرة أبيهم، لا تدعوا منهم كبيراً ولا صغيراً، شيخاً أو امرأة أو طفلاً”.
لكن ظني أن شجرة “أبو فانو” المباركة، لن تسدّ لهم حاجةً عُرفوا بها منذ أن أفتى كبيرهم، الذي علّمهم السحر، بجواز امتثال الأرواح الطاهرة لنزوات الأجساد الفاسدة.
هذا رغم أن شجرة “قيد البكر” شجرةٌ مجازية، لم تُنبت إلا لسدّ ثغراتٍ تطاول الفرنجةُ بأطول منها، لا أكثر ولا أقل.
المهم، فإن من زرع هذه الشجرة كصدقةٍ جارية على الأذهان، تأسّياً – ربما – بقول الإمام عليّ بن أبي طالب: “الكِبر على أهل الكِبر صدقة”،
هو في الحقيقة من قلائل الرجال الذين ولجوا بحور النور من باب العدل في الحكم، واستطراق الصلاح إلى الرعية.
إنه ناظر عموم الرزيقات، الراحل إبراهيم موسى مادبو، الذي هبّ عليه نسيم “فاس”، كما هبّ على مدينة “المجلد”، على قول الشيخ البرعي: “بالجلاد والند”، وبأشياء أُخر.
إذ كان واحداً من رجال ديوان “أسا”، وأرض “سوس”، التي هي في عين المكان من أرض غرب السودان،
تلك التي وصفها الشيخ عبد العزيز الدباغ في “الإبريز”.
كان الناظر إبراهيم حاكماً مهاباً، شديد المراس، قوي الشكيمة، أوتي من لدن ربه علماً وحكمةً وبصيرة، جزاءً لعدله وتعبّده، وتقواه وتقربه.
وهو، إلى يومنا هذا، من حرّاس هذه المدينة الوادعة، ومن موادّ أرضها الحافظة.
عموماً، في “الضعين” لا أعرف كيف أبدأ، ولا كيف أنهي،
لكن أفضل ما أُمرّن به قلبي على الكلام،
هو أن أتغنّى باسمها، كلما لعنها الأعداء.