من رقصاتنا الشعبية السودانية.. “الدرملي” أغنية الجنزير التقيل
مشاوير - د. سلوى المشلي (*)

استمراراً لما سبق أن كتبت من أغنيات ورقصات شعبية لمختلف قبائلنا السودانية والتي تتميز فيها كل قبيلة بلونيتها الخاصة التي تستوحيها من بيئتها المحلية و حياتها، ونموذج لذلك رقصة الدرملي أو النقارة لقبيلة البقارة بكردفان ذات الايقاع الصاخب والرقص العنيف من واقع حياتهم القتالية وحياة الفروسية التي يعيشونها.
و رقصة الدرملي فيها يلتف الشباب من الجنسين حول آلة النقارة الإيقاعية ذات الاحجام الثلاث ( النقارة و التمبل والحمار) و يرقصون و تشاركهم الحكامة والجميع ولها زيها الخاص بها.
الدرملي_ اغنية الجنزير التقيل:
تقوم رقصة أغنية الجنزير التقيل على إيقاع الدرملي، والتي الفتها حكامة في الناظر ود توينجة ناظر عموم قبائل لفوفا بجنوب كردفان.
قصة اغنية الجنزير التقيل:
تعددت الروايات الشفاهية التي تحكي قصة الاغنية كما يمكن ان تتغير كلماتها ففي الرواية:
ـ أورد رواية البلة حسين البلة:” ان في منطقة الليري، توسمت الحكامة في الحاج فضل الله الحاج الملقب ب(ابو درجة) (صابون الفقر) خيرآ و شكت له ضيق عيش أهلها في سنة قحط أصابت البلاد فحمل عربته بستين جوال ذرة وركبت في اللوري و أنشدت المربع الأساسي الجنزير التقيل و تقصد قيمته و هو البعوقد نارها بدفابها هو و تقصد أن من يعمل خير سيرجع له مضاعفآ، يا والد الدرجات ودرجة إبنته الكبرى وفي الأصل هو لقب لكن سار عليها و كانت جميلة فقالت إحداهن :”فايتة البنات درجة “، الحاج فضل الله الحاج محمد علي كان مشهورا ومعروف بكرمه الفياض و معروف في كل منطقة الجبال الشرقية”.
وأكد هذه عبداللطيف فضل الله حفيد ابو درجة من جهة امه ، فقد أرسل قصاصة من جريدة الصحافة (ليس بها تاريخ و لا رقم العدد و لا اسم كاتب المقال) و في المقال أن الفنان عبد القادر سالم ذكر ان:” تغنى بالجنزبر التقيل الفنان القناوي سليمان مؤهلين و الفنان عباس عبده و الشخص الممدوح هو تاجر بمنطقة الليري اسمه فضل الله الحاج محمد علي كان المشهور بابو در و هي ابنته و هو اصلا من الدويم و كان يعمل بتجارة المقايضة بين الدويم و الجبال الشرقية و سرعان ما استقر بالمنطقة و صار من كرمائها و من ذوي الفضل فيها و ذلك حسب إفادة حاج هجو حامد فضل الله شقيق مستشار حكومة ولاية شمال كردفان مبارك حامد فضل الله و كلاهما استوطن الجبال الشرقية لردح من الزمن”.
ـ بحسب الرواية التي ذكرت في موقع ( لجان مقاومة ام كوراك شمال) و أدخلت توضيح لبعض ما ذكر بين قوسين :” ان حكامة الفتها عندما اُخذ ود توينجة إلى سجن تلودي ( مدينة تقع في جنوب كردفان وهي آخر نقطة حدودية متاخمة لولايتي الوحدة و أعالي النيل في جنوب السودان سابقاً)، وهو ناظر عموم قبائل لفوفا ( احد المجموعات العرقية لقبائل جبال النوبة التي صنفت حسب اللغة لعدد من المجموعات الكبيرة منها الكواليب والنيمانغ و تلودي وتقلي و.. ومنها قبيلة لفوفا) في منطقة الليري( اسم قبيلة و مدينة سكانها موزعين على ٥٠ قرية تنتشر حول جبل الليري أو جبل الكريس) .
جمع ود توينجة أهل نظارته في سنة شهد فيها فساد المحصول و كان عليهم دفع الطُلبة أو الضريبة كل سنة لمأمور المنطقة، لذلك قال لهم عندما يحضر المأمور :”قولوا له انكم جمعتوا المحصول وسلمتوهوا لود توينجة واكلها، وان صلح المحصول في العام القادم ان يفدوه ويخرجوه من السجن” .
وحضر المامور مدجج بالسلاح وأخذوا ود توينجة مقيداً بالسلاسل( الجنزير التقيل) إلى سجن تلودي، فتغنت الحكامة :
الجنزير التقيل البِقلّة ياتو
البعوقد ناره بدفا هو
(الجنزير التقيل) هي السلاسل الحديدية التي قيد بها الناظر ود توينجة، هذا الجنزير التقيل كيف يتقلّ؟ و (البِقلا) و قلّ في قاموس المعانى للغة العربية، قلّت الطائرة المسافرين: حملتهم ورفعتهم، كذلك ود توينجة الرجل الشجاع يتحمل حمل الجنزير التقيل، كما هو البِعُقود ناره (عوقد ناره) اي اوقد نار المشكلة بأنه جعل التهمه له و صار كبش فداء والبوقد أو يوقد النار يدفأ بيها فأصبح الجنزير التقيل لباسه.
وتستمر الحكامة:
الولد ابو درجات المأصل ماك نفو
فوق الحارة الزول بلقى اخو
و تمدح الحكامة الناظر بانه ابو درجات اي الأصيل و العزيز،
( َماك نفو) و النفو هو ما يبقى من بذور الدخن بعد دقه ومن ثم يصبح خفيف ياخذه الهواء إذا وضع في راحة ليد و في حاله نفخة بالفم و للمقصود أنه عاقل و رزين.
و(فوق الحارة) اي وقت الشدة و المصائب الإنسان (يلقى اخو) اي يجد اخوه، فقد وجدته أهل نظارته.
وتستمر الحكامة:
سارت بنات البار من الغرة كردفان
عاينات الصعيد ماسكات المُرحال
(سارن بنات البار) والبار هي البقر بلغة الفولاني ففي منطقتهم خليط من القبائل، من (الغرة كردفان) شبهت كردفان كأنها غرة تشع بالبهاء.
البنات سارن جهة الصعيد اي الجنوب بالمُرحال( هو خط سير القبائل الرحل بحثاً عن الكلأ والماء و له حدوده المعروفة بين القبائل والذي تسير فيه الظعائن و غيرها سيرا حثيثا إلى أن تصل نهايته) .
وتستمر الحكامة:
فارس قوي جوداه رحال
الرجالة تركه حدوده زمان
ود توينجة فارس قوي وجواده قادر على الترحال، والمعروف أن البقارة فراس يركبون الخيل، وان الرجالة والشجاعة والفروسية( تركة) اي ورثها من جدوده الأوائل. وتستمر الحكامة :
مريم بت الشيخ الجواب اقري
ابوك ي حمرة في المشايخ برنجي
ابكر ود عمي رصاص فوقه بغني
لعل مريم هي ابنة الشيخ ود توينجة؟ والجواب اقري اي افهمي حكمة ابوك الشيخ وسط القبائل هو شيخ (برنجي) وبرنجي كلمة تركية وتعني جيد أو حسن وانتشرت الكلمة منذ العهد العثماني، ومدينة تلودي :”نشأت كقاعدة عسكرية إبان الحكم التركي المصري في القرن ١٨ لموقعها الاستراتيجي ( موقع فنون و وهموم).
ولعل (أبكر ) الاسم الحقيقي لود توينجة؟ وود توينجة لقب؟ هذا الأبكر الشجاع الرصاص لا يخيفه كأنه يغني إذا سمع صوته وهو موجه له.
وتستمر الحكامة في شعرها، ولعلي أجد إجابة للسؤالين أعلاه من بعض القراد، اجتهدت في أن أجمع المعلومات لكن لم أجد راوي شفاهي يفيدني.
وفي الختام قصة ود توينجة لها كن الحركة والعبر للمواطن والقيادي الصالح الذي يفدي قبيلته بنفسه و يضعها في يد المستعمر.
وقد تغنى بهذه الأغنية الكثيرين من أبناء كردفان ومن الفنانين الشباب.
(*) “من أغنياتنا و إيقاعاتن ورقصاتنا الشعبية السودانية “،(كتاب غير متشور )، لسلوى عبد المجيد احمد المشلي، 2023.