منوعات

سباق الفروسية في نيالا: تقليد أصيل وأثر اجتماعي متجذر

نيالا - مشاوير: النذير أبوجنة

تمثل مدينة نيالا، عاصمة ولاية جنوب دارفور، واحدة من الحواضن الكبرى للإرث الثقافي والفلكلوري السوداني، ومن أبرز مظاهر هذا الإرث سباقات الفروسية، التي تحوّلت من مجرد رياضة تقليدية إلى فعالية مجتمعية ذات عمق اجتماعي وتاريخي وثقافي.

سباق الخيل في نيالا ليس فعلاً مستحدثاً، بل هو امتداد طبيعي لثقافة الفروسية الراسخة لدى مجتمعات البقارة والمزارعين والمكونات القبلية التي عُرفت بالاعتزاز بالخيل واستخدامها قديماً في التنقل والحروب والمناسبات. وعلى مر العقود، تحوّلت هذه العلاقة إلى طقس احتفالي دوري، يُقام في المناسبات الوطنية والاجتماعية، ويعكس روح التنافس والفرح الجماعي.

ما يميز سباق الفروسية في نيالا أنه لا يقتصر على الرياضة فقط، بل يتجاوزها ليكون ملتقى اجتماعياً جامعاً، حيث يتوافد المواطنون من الأحياء والقرى المحيطة لحضور الحدث، وتشارك فيه مختلف الفئات العمرية والقبلية. تتزين الخيول بأبهى الحلل، ويصطف الفرسان مرتدين الأزياء التقليدية المزركشة، في مشهد بصري آسر، تحفه الزغاريد والأهازيج وقرع الطبول.

يشكل الحدث أيضاً فرصة للتقارب المجتمعي، حيث تُبنى جسور التواصل بين مختلف المكونات السكانية، وتُخفف حدة التوترات الاجتماعية في بعض الأحيان، في ظل حضور رمزي لشيوخ القبائل والقيادات المحلية، ما يعيد التأكيد على الدور التكاملي للفروسية في تعزيز السلم الأهلي وربط الحاضر بالماضي.

تُعد الفروسية رمزاً للفخر والكرامة في ثقافة المنطقة، كما تمثل أداة لنقل القيم النبيلة مثل الشجاعة والانضباط والكرم. وتحمل الخيول ذاتها أسماءً ذات دلالة، وتُعامل بعناية خاصة تعكس مكانتها في الوجدان الجمعي.

كما يتم توثيق كثير من هذه السباقات في الأغاني الشعبية والقصائد المحلية، مما يعزز استمراريتها كجزء حي من الذاكرة الثقافية للمنطقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى