
تعد منطقة الفشقة واحدة من أكثر مناطق التماس الجغرافي توتراً بين السودان وإثيوبيا.
وقد تباينت فيها مظاهر العمران والتنمية والخدمات بصورة لافتة، خاصة بين الشريط الحدودي الإثيوبي من جهة إقليم أمهرا، والمناطق السودانية التابعة لمحلية القلابات الشرقية وريف القضارف من الجهة الأخرى.
هذا التفاوت يطرح تساؤلات حول خيارات الدولة السودانية في التنمية، والوظائف الأمنية والزراعية للحدود.
أولاً: التخطيط العمراني والخدمات
تتميز البلدات الإثيوبية على الشريط الحدودي – خصوصاً الحمرة، عبد الرافع ، ماي خضرا – عدي هوسا، أسمره كردي، تسفاى عدوي… إلخ، بتخطيط عمراني منظم، شوارع مرصوفة أو ممهدة، ومراكز صحية وتعليمية قائمة، وقد تمّ تزويدها بكهرباء عامة، وآبار مياه جوفية عميقة ونظيفة، إضافة لتغطية شبكة الاتصال (3G/4G) تصل حتى المزارع المتاخمة لنهري عطبرة وستيت.
في المقابل، تُظهر قرى الفشقة السودانية – مثل ود عاروض، أم راكوبة، سندس، أبو طيور، وغيرها – ضعفاً واضحاً في البنية الأساسية: الطرق ترابية موسمية، غياب واضح للكهرباء الحكومية، وانعدام شبه تام للمراكز الصحية أو التعليمية المستقرة.
ثانياً: التنمية الزراعية والاقتصاد الريفي
منذ التسعينيات، انتهجت إثيوبيا سياسة استيطانية زراعية واضحة في الشريط الحدودي، وخصوصاً في منطقة الفشقة، بتخصيص أراضٍ خصبة لمزارعين إثيوبيين (معظمهم من الأمهرا)، وتقديم حزم من التسهيلات لهم، أهمها القروض الزراعية، وذلك بالترافق مع توفير أدوات الزراعة الميكانيكية، والمستودعات المركزية والتعاونيات.
أما في الجانب السوداني، فقد ظلت الزراعة تعتمد على جهود فردية لمزارعين موسميين، غالباً من صغار ملاك الأراضي، دون تدخل فعّال من الدولة في التمويل، أو تطوير الأساليب الزراعية ، أو توفير الحماية الأمنية.
ثالثاً: الحضور الأمني والإداري
تشهد البلدات الإثيوبية على الحدود وجوداً مؤسسياً للدولة: مراكز شرطة، مكاتب حكومية، وحدات تنمية محلية، ونقاط تفتيش، مما يعزز الاستقرار والتخطيط.
أما في السودان، فقد ظلت أغلب قرى الفشقة بلا إدارات مدنية مستقرة حتى بعد استعادتها من القوات المسلحة السودانية في 2020، كما أن الوجود الأمني غالباً ما يكون عسكريًا فقط؛ دون دعم من الأجهزة الأخرى.
رابعاً: النتائج الاجتماعية والسياسية
ساهم هذا التفاوت في تكوين مشاعر استياء لدى المجتمعات السودانية في الفشقة، التي ترى أن إثيوبيا قد طوّرت بلداتها الريفية بفاعلية، بينما أهملت الدولة السودانية مناطقها الشرقية لعقود.
أدى هذا التهميش إلى ضعف انتماء السكان إلى المنطقة ونزوحهم منها، وبالتالي اعتماد نظام الفلاحة الموسمية، مقابل استقرار نسبي على الجانب الإثيوبي.
تكشف المقارنة عن فوارق جوهرية في فلسفة التنمية والتعامل مع المناطق الحدودية بين البلدين عن تفوق إثيوبي كبير، فبينما اعتمدت إثيوبيا على سياسات زراعية استعمارية (من إعمار) ناعمة لتحويل الحدود إلى شريط إنتاج ودفاع، ظل السودان يتعامل مع الفشقة كمجال عسكري هش لا كمجال حيوي يتطلب تنمية واستيطاناً بشرياً.
إن إصلاح هذه الفجوة لا يكون باسترداد الأرض فقط، بل بفرض حضور الدولة خدمياً واقتصادياً واجتماعياً، واستعادة ثقة المواطن الحدودي بها.