
تتجه الأنظار من جديد نحو العاصمة الليبية طرابلس، حيث يلوح في الأفق شبح مواجهة عسكرية وشيكة بين حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، وجهاز الردع لمكافحة الإرهاب، أحد أبرز التشكيلات المسلحة النافذة في الغرب الليبي. فالمشهد الأمني بات أكثر تعقيدًا، مع تصاعد التصريحات، والتحشيد الميداني، وتضارب الولاءات داخل مدينة لم تعرف الاستقرار منذ سنوات.
في مقابلة تلفزيونية، أطلق الدبيبة تهديدات صريحة ضد جهاز الردع، مؤكدًا أن حكومته لن تتراجع عن خطتها لاستعادة السيطرة الكاملة على مؤسسات الدولة، من مطارات وموانئ وسجون، مشددًا على أن بعض التشكيلات المسلحة “تغوّلت” وباتت تتصرف كسلطات موازية تتخذ قرارات سيادية، وتستورد السلاح خارج إطار الدولة. وأشار إلى أن النائب العام أصدر 125 أمر قبض بحق متهمين يتحصنون في قاعدة معيتيقة الخاضعة لسيطرة جهاز الردع، محذرًا من أن رفض تنفيذ قرارات الدولة لن يمر دون تبعات.
وضع رئيس الحكومة أربعة شروط لتفادي الصدام: تسليم المطار، تسليم السجون، تسليم المطلوبين، وحل كافة التشكيلات المسلحة، في خطوة عدّها البعض محاولة لاستفزاز جهاز الردع واستدراجه إلى مواجهة ميدانية تمهيدًا لتبرير حملة أمنية ضده.
لكن الجهاز، الذي يتمركز أساسًا في منطقة سوق الجمعة ذات البنية الاجتماعية المتماسكة، رفض قرار حله الصادر في مايو الماضي، معتبراً إياه غير قانوني وصادرًا عن جهة غير مختصة، مشيرًا إلى أن الاختصاص في هذه المسألة يعود للمجلس الرئاسي. كما انتقد الجهاز ما وصفه بالانتقائية في القرار، الذي لم يطَل الجماعات المسلحة المقربة من مدينة مصراتة، ما زاد من حدة الانقسام.
عضو المجلس الأعلى للدولة، سعد بن شرادة، أكد أن جهاز الردع يتمسك بمواقعه ولن يتخلى عنها إلا بالقوة، مشيرًا إلى أن تفكيكه أمر مرفوض اجتماعيًا في منطقة سوق الجمعة، خاصة في ظل تجربة الفوضى التي تلت حل جهاز دعم الاستقرار في منطقة أبو سليم. واعتبر بن شرادة أن غياب مؤسسات شرطية وعسكرية حقيقية تجعل من الأجهزة المسلحة كيانات قائمة بذاتها، تملأ الفراغ الأمني دون أن تكون جزءًا من منظومة دولة مكتملة.
في موازاة هذا التوتر في طرابلس، أعلنت شعبة الإعلام الحربي وصول قوات النخبة التابعة لرئاسة أركان القوات البرية إلى منفذ 17 الحدودي مع تشاد، ضمن عمليات لتأمين الحدود الجنوبية. وشنت القوات المسلحة عملية ناجحة ضد تجمعات معارضة تشادية، أسفرت عن مقتل وأسر عدد من العناصر، ومواصلة مطاردة الفارين.
هذه التحركات العسكرية على أطراف البلاد تتقاطع مع هشاشة الوضع الأمني في المركز، وتثير تساؤلات حول قدرة حكومة الدبيبة على بسط سيطرتها دون إشعال صراع شامل، خاصة أن بعض المراقبين يشيرون إلى أن الدبيبة ربما ينتظر “ضوءًا أخضر” إقليميًا أو دوليًا قبل تنفيذ عملية حاسمة ضد الردع.
لكن أي عملية من هذا النوع، وفق خبراء أمنيين، قد تشعل أشرس معركة تشهدها طرابلس منذ 2011، لا سيما إذا تحالفت قوى أخرى ضد الحكومة. في ظل هذا الترقب، تبقى العاصمة على حافة الانفجار، ومعها مستقبل حكومة الوحدة الوطنية برمته.