سد النهضة يكتمل وسط تجاهل إثيوبي للمخاوف الإقليمية.. مصر والسودان في مرمى التهديد
تقرير - رشا رمزي

في خطوة أحادية جديدة تعكس تجاهلًا واضحًا للهواجس الإقليمية، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد اكتمال بناء سد النهضة، المشروع الذي طالما أثار مخاوف مصر والسودان بشأن أمنهما المائي واستقرارهما الاقتصادي. الإعلان جاء مترافقًا مع استعداد إثيوبيا لتنظيم احتفال رسمي في سبتمبر المقبل، ودعوات وُجهت إلى دول حوض النيل لحضور التدشين، في محاولة لإضفاء طابع احتفالي على مشروع مثير للجدل لم يحظَ حتى اليوم بأي توافق قانوني ملزم يضمن حقوق الدول المتأثرة.
ورغم ما تحاول أديس أبابا تصديره من رسائل طمأنة، ترى القاهرة والخرطوم في هذا الإعلان تصعيدًا جديدًا يتجاهل سنوات من التفاوض المتعثر، وينسف آمال الوصول إلى اتفاق شامل حول قواعد الملء والتشغيل. مصر، التي تعتمد على النيل كمصدر شبه حصري للمياه، تعتبر أن اكتمال السد بهذا الشكل يمثل خطرًا وجوديًا، بينما يرى السودان أن افتقار المشروع للتنسيق الفني والشفافية يهدد أمنه القومي، لا سيما في ظل هشاشة بنيته التحتية وتزايد مخاطر الفيضانات مع دخول موسم الأمطار.
في الداخل السوداني، تتصاعد المخاوف مع اقتراب موسم الخريف، إذ باتت التحضيرات تتجاوز الطابع الفني لتلامس أبعادًا استراتيجية وأمنية، خاصة في ظل حالة عدم الاستقرار التي تعانيها البلاد على المستويات السياسية والإدارية. يتوقع خبراء أن تشهد البلاد أمطارًا غزيرة قد تؤدي إلى فيضانات جارفة، وسط تحذيرات من الهيئة العامة للأرصاد الجوية ومنصات التنبؤ الإقليمي. وفي هذا السياق، تصبح أي تغييرات مفاجئة في تشغيل سد النهضة عامل تهديد إضافيًا يصعب التنبؤ بتبعاته، خصوصًا مع استمرار أديس أبابا في الامتناع عن مشاركة بيانات التشغيل بشكل منتظم مع دولتي المصب.
ورغم المساعي القائمة لتطوير برنامج فني ثلاثي ينسق إدارة السدود حتى عام 2026، فإن غياب الالتزام الإثيوبي باتفاق قانوني وملزم يقوض أي فرصة لضمان الاستفادة العادلة من الموارد المائية، ويزيد من تعقيد المشهد، لا سيما في ظل تاريخ طويل من التوترات بين الدول الثلاث.
تقرير “نظام التنبؤ المبكر بالفيضانات” لحوض النيل الشرقي للفترة بين يوليو وسبتمبر الجاري أشار إلى استقرار عام في الحالة المائية، مع تسجيل معدلات أمطار أعلى من المعتاد في بعض المناطق، إلا أن عدم التيقن المرتبط بتصريفات سد النهضة يعقّد عمليات التنبؤ والتحكم، ويفرض تحديات أمام السودان في إدارة المخاطر.
في المقابل، تواصل وزارة الري السودانية جهودها لتنفيذ خطتها في مجال حصاد المياه حتى عام 2030، لكن الطموح يصطدم بعقبات حقيقية في التمويل والتنفيذ، وسط دمار واسع في البنية التحتية جراء الحرب الأخيرة مع قوات الدعم السريع. وبرغم انطلاق المرحلة الأولى من البرنامج منذ عام 2016، لم يتجاوز الإنجاز نسبة 60 في المئة، ما يترك المجتمعات الريفية في مواجهة مباشرة مع أزمات الشح والفيضانات دون دعم حقيقي.
التحديات التي يواجهها السودان لا تقف عند حدود الطبيعة، بل تمتد إلى واقع إداري هش يفتقر إلى آليات استباقية وموارد كافية، ما يحوّل الأمطار من نعمة محتملة إلى أزمة موسمية مزمنة. وفي ظل هذا المشهد، لا يبدو المواطن السوداني في مأمن من تداعيات ما يجري في أديس أبابا، خاصة المزارعين الذين باتوا أكثر من يدفع ثمن القرارات الأحادية والتعنت السياسي في ملف شريان حياتهم الأول.
وبينما تحتفل إثيوبيا بما تسميه إنجازًا وطنيًا، تزداد في المقابل مشاعر القلق في القاهرة والخرطوم، إذ يظل ملف سد النهضة مفتوحًا على احتمالات شديدة الحساسية، وتبقى دعوات التعاون بلا ضمانات حقيقية أقرب إلى ذر الرماد في العيون. فما لم يُترجم الاحتفال إلى التزام قانوني يحترم حق الحياة ويضمن العدالة المائية، فإن اكتمال البناء لا يُغلق الملف، بل يفتحه على مصراعيه أمام مواجهة سياسية وقانونية جديدة قد تكون أكثر تعقيدًا من كل ما سبق.