مقالات

شبح غابات اولالا تلاحقني في كرياندوقو 

منتصر إبراهيم 

بھذھ العبارات ، ونحن وسط الحشائش محاطون بقصب الذرة الشامية والليل دامس مرتعبين في الليلة الثانية لھجوم جماعات من النوير ، المسلحين بالسواطير والسكاكين الحراب ؛ قال لي محمد الامين لقد تجددت ذكرى الرعب التي عشتھا في فترة لجوئي الاولى في اثيوبيا التي اشتھرت باسم اللاجئين السودانيين العالقين بغابات اولالا .! .

في غابات اولالا ، معقل قبيلة الأمھرا ، كانت ھناك مخيمات اللاجئين السودانيين في قندر وكومر ؛ ونظراً لسوء الأوضاع احتج اللاجئون السودانيون وقرروا المغادرة سيراً على الأقدام في إتجاه معبر الحدود السودانية ؛ إلا أن سلطات إقليم الامھرا منعتھم من العبور فاعتصم اللاجئون ھناك في الغابة حيث جرت تفاصيل الرعب التي تجددت في ذاكرة محمد الأمين .!

إقليم الامھراء حيث جرت تفاصيل مأسأة اللاجئين السودانيين ، لم يشھد الاستقرار طوال تاريخھ ، لھذا الإقليم تاريخ طويل من العنف والاقتتال القبلي بين مكونات الامھرا من جانب وبين الحكومة المركزية جانب آخر ؛ يحكم الاقليم أمير حرب توصل الى تسوية خاصة بھ وبحاشيتھ مما يجعل نظامھ قائم على الرعب والقوة خوفا من منافسيھ ؛ حيث يتطلب مرورھ مظھر عسكري ھائل فقط حراستھ الشخصية تمثل نصف القوة المسلحة للفصيل العسكري الذي كان يقاتل الحكومة المركزية في أديس أبابا . ومجتمع الامھرا في ھذا الاقليم ينتشر فيھ السلاح بكثافة اكثر من الاشجار المنتشرة فى المنطقة ؛ وتسود الاعمال الثأرية و الانتقامية ؛ حيث تشھد المنطقة ذاتھا وجود مقبرة جماعية لعدد ثلثمائة جثة للاجئين صوماليين في فترة لجؤھم الى ھناك ؛ وكان الصوماليين قد دخلو في مواجھة مع جماعة من الامھراء في خلاف راح ضحيتھا أحد المواطنيين من الامھرا وفي رد انتقامي تم القضاء تماماً على وجود الصوماليين وبعضھم فروا بذات الطريق إلى داخل الحدود السودانية . 

في غابات اولالا ، كانت حكومة الاقليم تتعرض الى الھجوم من جماعة متمردة منتشرة في الجبال المحيطة بالغابات ، وكانت تجري أعمال خطف في الطريق المؤدي إلى كومر حيث يوجد السوق الوحيدالذي يمكن أن يوفر الاحتياجات الاساسية ، بالاضافة إلى توفير خدمات الإتصالات وشبكة الانترنت ؛ يحكي محمد الأمين يقول : كنا نوثق مأسأتنا بالتسجيلات وتصوير الفيديو ، ثم نتجھ الى السوق الذي يبعد عشرات الكيلو مترات سيرا على الاقدام لنرفع موادنا الاعلامية ؛ وفي الطريق تعرض طاقمنا الطبي الى الاختطاف واتجھ بھ الخاطفون نحو الجبال طلباً لفدية مالية ، وتعرضت الطبيبة الوحيدة لدينا الى عملية إغتيال في ملابسات كمين مع آخرين لكنھا كانت مستھدفة بشكل مقصود بتھمة العمل في مجال الإعلام سلاحنا الوحيد الذي قض مضاجعھم .

يواصل محمد الأمين في سرد قصتھ الذي اراد سردھا بعجالة ؛ حيث اشار لي الى انھا طويلة كفيلةبملئ مجلد ضمن سيّر مآسي اللاجئين ؛ قال ، أن اللاجئين بعد أن ضاقت بھم الحياة في المعسكر الذي أقيم على عجل تحت ادارة ال RRS وھي مفوضية اللاجئين الخاصة بحكومة الاقليم ، وكان الخطر الامني محدق باللاجئين حيث يتعرضون للھجوم بقصد السرقة من عصابات مسلحة في المنطقة ، وأحياناً تحدث اشتباكات بالزخيرة الحية بين جماعات متصارعة من الامھرا ، الى جانب المناوشات بين جماعات المعارضة وحكومة الاقليم ، وسوء ادارة المخيم وظروف البيئة والمناخ ؛ لكل ذلك قرر اللاجئون السودانيون مغادرة المخيم والتوجھ ناحية الحدود السودانية ، وھو ما رفضتھ سلطات الإقليم ، ودفعت بتعزيزات عسكرية لقطع الطريق عليھم بعد أن غادر اللاجئون المخيم على مسافة تزيد على السبعة كيلو متر ، حيث توجد غابات اولالا ، واضطر اللاجئون على ضوء ذلك اقامة مخيم على عجل ولك أن تتخيل حال الحياة لعدد سبعة الاف من اللاجئين .!!!

شكلت الغابة لوحة مأساوية جسدت معاناة السودانيين من الحرب ؛ فقد دفع الشعور باليأس والاكتئاب فتاة إلى الانتحار ، حيث تم العثور عليھا معلقة على جزع شجرة ؛ وتجددت غارات مليشيات المعارضة على القوات الحكومية في حدود المخيم ، وتبعتھا أعمال سطو على اللاجئين باشياءھم البسيطة ؛ والأسوأ من ذلك تعرض عدد من الشباب لأعمال قتل غير مقصودة وھم تائھون أثناء الليل وھم يحاولون المجازفة بالعبور وتخطي القوات الحكومية ؛ وعند مرورھم مع نباح الكلاب يعتقد الأھالي انھم لصوص الذين يبادرون بإطلاق الرصاص مباشرة ، والمتسللون لا يعرفون لغة الامھرا ؛ على ھذا النحو سقط العشرات من الشباب السودانيين . 

   لا زال لدى محمد الأمين سرد طويل حول مأسأة اللاجئين السودانيين العالقين في غابات اولالا ، التي علقت في ذاكرتھ ؛ وھو الآن يشعر بالأسى أن تتجدد تلك الذكرى الاليمة مرة اخرى بكرياندونغو التي لجأ اليھا بعد مغادرة اثيوبيا .!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى