
في خطوة تهدف إلى إعادة الاستقرار للعاصمة السودانية، شرعت القوات المسلحة السودانية رسميًا في تنفيذ خطة عسكرية طموحة لسحب وحداتها من المناطق السكنية داخل الخرطوم، وذلك استجابة لتوجيهات رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، الذي أمر بتفريغ المدينة من كافة التشكيلات العسكرية خلال أسبوعين.
تأتي هذه الخطوة في إطار جهود اللجنة العليا لتهيئة البيئة لعودة المواطنين، حيث تهدف إلى إعادة الأمن والاستقرار وتهيئة الظروف المناسبة لعودة السكان إلى مناطقهم المتأثرة بالحرب الدائرة في البلاد منذ أبريل 2023.
مقرات استراتيجية في قلب العاصمة
تنتشر مقرات الجيش في مواقع حيوية وسط الخرطوم، وتشمل القيادة العامة الممتدة من قرب مطار الخرطوم إلى السوق العربي، والمدرعات في منطقة الشجرة جنوب العاصمة، وسلاح الذخيرة بين منطقتي الشجرة واللاماب، بالإضافة إلى سلاح المهندسين بشارع النيل في أم درمان، والمظلات بمنطقة بحري.
وقد بدأت عمليات نقل القوات فعلياً إلى مواقع خارج الأحياء السكنية، من بينها شمال بحري، في خطوة يُتوقع أن تسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية وتسهيل عودة المواطنين الذين نزحوا جراء النزاع المسلح.
تصاعد العنف في جبل أولياء يثير القلق
لكن الوضع الأمني لا يزال متوترًا في أجزاء أخرى من العاصمة، حيث تفاقم التوتر الأمني في منطقة جبل أولياء جنوبي الخرطوم إثر اندلاع اشتباكات مسلحة دامية صباح الأحد الماضي، أسفرت عن سقوط أربعة قتلى بينهم ضابط في الاستخبارات العسكرية.
وبحسب مصادر صحفية محلية، وقعت المواجهات في منطقة المثلث قرب سوق جبل أولياء، عندما هاجمت مجموعة مسلحة مكونة من 13 شخصًا سوق “6” في حي دار السلام، ونفذت عمليات سلب ونهب استهدفت المدنيين.
وتدخلت قوة من الاستخبارات العسكرية بقيادة النقيب مصعب عمر عبد الرازق، الذي لقى حتفه أثناء التصدي للمجموعة المسلحة، في مواجهة عنيفة أسفرت عن مقتل جندي من القوات النظامية، وامرأة مدنية، إلى جانب أحد المهاجمين.
خلافات حول القوة المشتركة
في غضون ذلك، نفى رئيس حركة تحرير السودان ومشرف القوة المشتركة مني أركو مناوي، تلقي أي إخطار رسمي من مجلس السيادة أو قيادة الجيش بشأن قرار تفريغ العاصمة من التنظيمات والجماعات المسلحة، مؤكدًا أن ما ورد حول هذا القرار نُشر عبر وسائل الإعلام دون أي تواصل مباشر مع قيادات القوة المشتركة.
وأوضح مناوي أن قواته المنتشرة في ولاية الخرطوم تُقدّر بثلاث كتائب، مشيرًا إلى أن القوة لم تُبلغ بأي ترتيبات أمنية جديدة تتعلق بإعادة تموضعها أو انسحابها من العاصمة، الأمر الذي يثير تساؤلات حول فعالية التنسيق بين مختلف المكونات العسكرية في البلاد.
نيالا تستعد لاستضافة حكومة موازية
وعلى الجانب الآخر من النزاع، أفادت مصادر في الإدارة المدنية التابعة لقوات الدعم السريع بجنوب دارفور، أن مدينة نيالا استكملت الترتيبات الإدارية والفنية اللازمة لاستضافة إعلان حكومة تحالف السودان التأسيسي “تأسيس”، وسط استعدادات لوجستية مكثفة تهدف إلى إطلاق حكومة موازية في المناطق الخاضعة لسيطرة التحالف.
وأكد عضو في اللجنة الإدارية المكلفة بتهيئة المدينة أن أعمال إعادة تأهيل عدد من المؤسسات الحكومية قد اكتملت، بما في ذلك مباني أمانة الحكومة، وبيت الضيافة، ومنزل قائد الجيش المطل على وادي نيالا، إلى جانب المنازل الحكومية بحي الموظفين غرب السوق، ومباني وزارة الزراعة والتخطيط العمراني.
ويعتزم تحالف “تأسيس” إعلان تشكيل حكومة موازية تتضمن مجلس سيادة مكوّن من 15 عضوًا، بينهم 8 ممثلين للأقاليم بحكم مناصبهم، و7 ممثلين للقوى السياسية، إضافة إلى رئيس وزراء وحكومة تنفيذية.
تحذيرات من تكريس الانقسام
في هذا السياق، حذر المكتب القيادي للحركة الشعبية لتحرير السودان من إعلان محتمل لحكومة جديدة، ما يعني وجود حكومتين للمرة الأولى منذ استقلال السودان عام 1956، معتبرًا أن ذلك يُنذر بخطر الانقسام الشامل وتحول البلاد إلى نماذج مشابهة لليبيا واليمن والصومال.
وأكدت الحركة أن الحل يكمن في إنهاء الحرب، لا تعميقها عبر حكومات موازية تُكرّس المحاصصة المسلحة، داعية إلى أن يُركز الاجتماع الرباعي المرتقب في واشنطن على وقف إطلاق نار إنساني فوري، وتوسيع الفضاء المدني.
تشهد الأوضاع في السودان تطورات متسارعة ومعقدة، حيث تسعى الحكومة الانتقالية إلى إعادة الاستقرار للعاصمة من خلال إخلاء القوات العسكرية من المناطق السكنية، بينما تستعد قوات الدعم السريع لإعلان حكومة موازية في نيالا. هذه التطورات تطرح تحديات جدية أمام جهود السلام وتثير مخاوف من تعميق الانقسام في البلاد، في وقت يحتاج فيه السودان إلى توحيد الجهود لإنهاء الحرب وإعادة بناء الدولة على أسس ديمقراطية سليمة.
وتبقى الآمال معقودة على الجهود الدولية والإقليمية لإيجاد حل سياسي شامل ينهي معاناة الشعب السوداني ويعيد للبلاد الاستقرار والسلام المنشودين.