الخرطوم .. أزمة خانقة في مياه الشرب ومصاعب مالية تواجه خطة التشغيل
الخرطوم - تقرير - عمر الفكي

خلال عامين من الحرب الضروس، لحقت بمصادر إنتاج المياه بولاية الخرطوم أضرار بالغة، إذ تعرّضت محطات الإنتاج وخطوط التوزيع وآليات الطاقة الكهربائية لتدمير ممنهج.
وشمل التدمير صَهر الكوابل والتوصيلات ضمن ما عُرف بتجارة النحاس أثناء الحرب، فضلاً عن القصف المُتبادل بين طرفي الحرب الجيش والدعم السريع.
جهود للمعالجة
تبذل الجهات الرسمية في الدولة جهوداً كبيرة لمعالجة مشكلة المياه وحلّها جذرياً؛ ولأنّ الخراب كان كبيراً أرادت الجهات الرسمية أن تكون المعالجة شاملة. لكن التدخّل الشامل لإصلاح الأعطال والتدمير في آن واحد لا يمكن أن يتجاوز حالياً ما بين 5 و10 في المئة في جميع المحطات الرئيسة بالولاية.
وعن هذا الأمر يقول المهندس هشام الأمير، مدير إدارة مياه الشرب والصرف الصحي بوزارة الري الاتحادية لمنصة (مشاوير) ، إنّ الجهات الرسمية في الدولة تبذل جهوداً كبيرة لمعالجة مشكلة المياه وحلّها جذرياً؛ ولأنّ الخراب كان كبيراً أرادت الجهات الرسمية أن تكون المعالجة شاملة. لكن التدخّل الشامل لإصلاح الأعطال والتدمير في آن واحد لا يمكن أن يتجاوز حالياً ما بين 5 و10 في المئة في جميع المحطات الرئيسة بالولاية وعددها “13” محطة: هي المقرن، وبرّي، وبحري، وشمال بحري «التمانينات»، والمنارة، وبيت المال، والصالحة، والشجرة، وجبل أولياء، ومحطة المنطقة الصناعية بحري، وأبو سِعِد، والقماير، والسلام “52” بدار السلام بأمبدّة.
خطوات بطيئة
وبحسب هشام، فإنّ السلطات لم تُوفق إلا في تشغيل طلمبة واحدة في محطة بحري التي كانت تعمل بـ “15” طلمبة ساحبة من النيل، وتنتج في الحالات الطبيعية “300” ألف متر مكعب يومياً، وتعمل حالياً بنسبة 5 في المئة من سعتها الكلية. أما محطة مياه جبل أولياء التي كانت تنتج “68” ألف متر مكعب يومياً، فقد أُعيد تشغيلها بنسبة 25 في المئة وتُنتج حالياً “17” ألف متر مكعب في اليوم الواحد.
ومن بين محطات المياه بالخرطوم، فإنّ محطة مياه جبل أولياء هي الأكثر إنتاجاً بعد محطة المنارة بأم درمان.
ويعزو هشام ذلك إلى توفر الكهرباء العامة من جبل أولياء. وتمدّ محطة جبل أولياء المنطقة الواقعة جنوب الخرطوم، وتدعم محطة منطقة الشجرة، التي تنتج أقل من 5 آلاف متر مكعب يومياً، لتغطية حاجة سكان الشجرة إلى المياه، إضافة إلى مناطق واسعة جنوب الخرطوم.
ومع تشغيل عدد يتجاوز “370” بئراً تعمل بالطاقة الشمسية والجازولين في ولاية الخرطوم، وفقاً لمصدر في هيئة مياه ولاية الخرطوم، فإنّ أزمة المياه بدأت تتراجع في عدد من الأحياء.
بنِسب مُحددة
ويقول إبراهيم مبارك من حي الصحافة جنوب الخرطوم لمنصة (مشاوير) ، إنّ تشغيل عدد من الآبار بالمنطقة أسهم في تخفيف أزمة العطش التي كانت مستمرة منذ اندلاع الحرب قبل عامين.
وفي المقابل، وصلت المياه إلى عدد من الأحياء بمدينة بحري.
ويقول سالم عبيد من سكان الحلفايا، شمال بحري، إنّ المواسير في المنازل تعمل بين حين وآخر، وهو ما قلَّلَ من أزمة العطش، وأصبح العدد القليل من السكان في المنطقة يحتفظون بكميات مُقدَّرة من المياه قبل انقطاعها.
ويخبر سالم بأنّ المياه أصبحت تصل إلى المنطقة من محطة بحري الرئيسة بعد إعادة تشغيل جزء منها خلال الأيام الماضية.
المياه مقطوعة عن منطقة الوادي الأخضر لأكثر من سنتين، ما دفع السكان في المنطقة وعدد من الأحياء المجاورة إلى الاعتماد كلياً في الحصول على مياه الشرب على ما يُقدَّم لهم من المطبخ الخيري الذي يشتري تناكر مياه الشرب ويوزّعها على المواطنين بنِسبٍ مُحدَّدة.
تفاقم الأزمة
بَيْد أن أزمة المياه لا تزال مستفحلة بمنطقة الوادي الأخضر وبعض أحياء الحاج يوسف بشرق النيل منذ بداية الحرب.
وتقول إقبال عمر، وهي منسّقة المطبخ الخيري بالوادي الأخضر لمنصة (مشاوير) ، إنّ المياه مقطوعة عن المنطقة لأكثر من عامين، ما دفع سكان الحي وعدد من الأحياء المجاورة إلى الاعتماد كلياً في الحصول على مياه الشرب على ما يُقدَّم لهم من المطبخ الخيري الذي يشتري تناكر مياه الشرب ويوزّعها على المواطنين بنِسبٍ مُحدَّدة، ويبلغ سعر التنكر سعة “110” براميل “300” ألف جنيه، وسعر التنكر سعة 55 برميلاً “150” ألف جنيه، وسعر البرميل 3000 ألف جنيه. ويبلغ عدد السكان الذين يعتمدون على المطبخ الخيري في توفير مياه الشرب والطعام 1500 أسرة.
وفقاً لإقبال التي قالت إنّ عدد الأسر في زيادة مستمرة يومياً بسبب عودة الناس من النزوح، وأغلبهم لم يتمكّنوا بعد من استعادة مصادر دخلهم.
بينما تُحاول السلطات بولاية الخرطوم تشغيل محطة مياه المقرن التي تعرّضت لأضرار بالغة، وفقاً لهشام الأمير، الذي قال إنّ الضرر بمحطة المقرن كبير، لذا يَجري تجريبها بعدد من الطلمبات من أجل تشغيلها، وأثناء عمليات التجريب تصل المياه إلى عدد من المنازل بالمقرن والمناطق القريبة منها.
ويُضيف الأمير أنه رغم محاولات تشغيل محطة المقرن، لكن المنطقة الواقعة بين شارع النيل بالخرطوم وحتى أجزاء من أحياء الصحافة لم تصلها المياه حتى الآن. وبحسب الأمير، كانت محطة مياه المقرن تنتج 90 ألف متر مكعب من المياه يومياً، وتغطي وسط الخرطوم والخرطوم 2 و3 والرِّميلة والقوز والحلة الجديدة والسجّانة وأجزاء من أحياء الصحافة، لكنها دُمّرت بالكامل.
تسعى هيئة مياه ولاية الخرطوم إلى توفير الطاقة الشمسية والوقود لعدد من الآبار الصغيرة من أجل تشغليها داخل الأحياء للحَدِّ من أزمة العطش التي بدأت تتراجع قليلاً أمام الجهد الرسمي للهيئة.
وأسهمت محطة مياه سوبا، التي تعرّضت لخرابٍ أقلّ مقارنةً ببقية المحطات، في توفير المياه لعدد من الأحياء بسوبا والباقير، لكن تُواجهها معضلة انقطاع الكهرباء العامة، وتُحاول السلطات تشغيلها باستخدام مولدات كهربائية تعمل بالديزل، إلا أنّ صعوبة توفير الوقود تُعيق عملها، وقد تراجع إنتاجها من المياه من 100 ألف متر مكعب يومياً إلى 10 في المئة من طاقتها. يقول هشام الأمير إنّ محطة مياه سوبا تحتاج إلى ثلاثة براميل وقود من الجازولين يومياً، وهي تكلفة تفوق قدرة هيئة المياه التي لا تملك أموالاً لتشتري بها الوقود يومياً. ويستطرد: «لذلك تعمل المحطة لساعات معدودة وتتوقّف بحسب كميات الوقود المتوفرة». وهو ما يؤكّده مصدرٌ بهيئة مياه الخرطوم، قائلاً إنّ بقية المحطات منها محطة أبو سعد والصالحة ودار السلام تعاني من أزمة الكهرباء ولا تستطيع الهيئة تشغليها بالوقود.
ورغم تدخّل جهات مثل اليونيسف والصليب الأحمر بتوفير آليات وقطع غيار لمحطّات المياه، لكنّ تكلفة التشغيل اليومية تتجاوز المقدرة المالية للجهات الحكومية، لذلك تعمل محطات المياه بحسب التدخّل الرسمي الذي لا يتعدَّى 5% إلا في مرات نادرة، بحسب ما أكده الأمير، الذي يستشهد بأن محطة سوبا تحتاج إلى ثلاثة براميل وقود يومياً، وتحتاج محطة المنارة في الساعة الواحدة إلى عشرين جالون وقود، لذلك تعمل جميع هذه المحطات بسعة منخفضة رغم أنّ المنظمات دعمتها بالآليات. وقد حصلت محطة المنارة بأم درمان على عدد من المولّدات لإنتاج ثلاثة آلاف واط من الكهرباء، لكنها تحتاج إلى الوقود غير المتوفر حالياً.
وأخبر المصدر السابق الذي يعمل بهيئة المياه، بأنّ محطة بري بالخرطوم مدمّرة تماماً، وأن الأحياء التي كانت تعتمد عليها بجانب أحياء أخرى تحصل على المياه من محطة سوبا، وتُعاني حالياً من أزمة عطش شديدة .
وتُحاول السلطات كذلك تشغيل محطة بيت المال بأم درمان لتوصيل المياه إلى أحياء أم درمان القديمة. ورغم قلة عدد السكان بتلك المناطق، إلا أن الجهود تبدو غير كافية في الوقت الراهن.