السودان .. يدفع الرعاة ثمنا باهظا بسبب الحرب يؤثر على حياة “7” ملايين مواطن
منتدى الإعلام السوداني

صباح محمد آدم
الخرطوم، 26 يونيو 2025- (مركز الألق للخدمات الصحفية)-
قطاع الرعاة والثروة الحيوانية في السودان من أكثر القطاعات الحيوية والاستراتيجية، حيث يضم حوالي 120 مليون رأس من الماشية، بحسب إحصاءات بنك السودان لعام 2016، ويعتمد عليه نحو 7 ملايين مواطن كمصدر رزق مباشر أو غير مباشر. ورغم هذه الأهمية، يعاني هذا القطاع من تهميش طويل الأمد، تفاقم بفعل الحرب المستمرة والتغيرات المناخية والسياسات الحكومية غيرالداعمة، رغم أنه قطاع لا يكلف الدولة ماديا لاعتماده على المراعي والمياه الطبيعية.
استمرارية التهميش وتداعيات الحرب.
أفادت خبيرة نسوية تعمل في المجال أن الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع لم تكن سببا في أزمة الرعاة، بقدر ما أنها كانت امتدادا لمشكلات مزمنة قائمة منذ عقود. فالدولة لم توفر الحد الأدنى من الرعاية من لقاحات وخدمات بيطرية، ما دفع الرعاة إلى اللجوء لدول الجوار للحصول على التطعيمات بأنفسهم. كما أن الاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية “الراعي عابر الحدود” الموقعة مع الاتحاد الإفريقي، تم تطبيقها دون ضمانات داخلية للمراعي والمياه، مما فاقم من هشاشة القطاع. وتضيف الخبيرة: “كذلك النظرة السلبية للمجموعات الرعوية واتهامها بأن بعضها يمثل (حواضن) لقوات الدعم السريع، وهي نظرة في عمومها أضرت كثيرا بالقطاع الرعوي في السودان”.
فقدان المراعي وتهديدات البنية البيئية
فى ولاية غرب كردفان توجد أكثر من 23 مليون رأس، أدت الأنشطة الصناعية، مثل التنقيب عن النفط والذهب، إلى تقلص مساحة المراعي وقطع مجاري المياه. وأثر حفر الخنادق حول الحقول على حركة القطيع وتسبب في نفوق أعداد كبيرة من الماشية.
وبسبب تدهور الأمن والصراعات القبيلية توقف ترحال الرعاة، فضلا عن الاحتكاكات بين قبائل الجنوب والرعاة وتزايد الاعتداءات على الماشية وقتلها، مما أدى إلى حصر الرعاة وماشيتهم في مناطق ضيقة شمالا، وسط ضغط من تغير المناخ والجفاف وانعدام المياه وارتفاع درجات الحرارة.
تهجير وتبدل مراكز النشاط الرعوي.
بفعل الحرب في دارفور وكردفان، لجأ العديد من الرعاة إلى دول الجوار، مثل إفريقيا الوسطى، مستفيدين من توقيع السودان على اتفاقية (الراعي عابر الحدود) التي تمت بدون دراسة، حيث تمت دون الاهتمام بتوفير المراعي والخدمات المصاحبة لها من توفير مراكز البذور والتطعيمات، إذ وجد العابرون من الرعاة السودانيين اهتماما ودعما حكوميا من تلك الدول تمثل في توفير المراعي، التعليم، والتطعيمات، مقارنة بتجاهل كامل من الدولة السودانية.
تهميش اقتصادي
يعاني الرعاة من النظرة الدونية للقطاع، والدعوات المتكررة من قبل خبراء اقتصاديين لإحلال سلالات أجنبية على حساب الثروة الحيوانية المحلية الطبيعية. حيث أن معظم النقاشات الرسمية تركز في كثير من الأحيان على الذبح والصادر، دون تطوير البنية التحتية للقطاع أو توفير إحصاءات دقيقة عن نمط حياة الرعاة وأسرهم.
تأثيرات الحرب على النساء في المجتمعات الرعوية
النساء في المناطق الرعوية كن الأكثر تضررا من تداعيات الحرب وفقدان الثروة الحيوانية، حيث ارتفعت معدلات الفقر والعنف القائم على النوع الاجتماعي. كما أدى تراجع الأمن الغذائي وارتفاع معدلات النزوح إلى ظهور صراعات جديدة على الموارد، انعكست على النساء في شكل عنف منزلي، زواج قاصرات، زواج قسري، وحتى الانتحار.
كما تسببت في العنف النفسي وسط النساء اللاتي فقدن ابناءهن أو ازواجهن أو أشقائهن بسبب الحرب، مما أدى إلى شعورهن بفقدان السند، الأمر الذي تسبب في حالات من الانهيار للبعض منهن، في ظل غياب الدعم النفسى والمجتمعى.
تراجعت الخدمات الصحية الإنجابية
وارتفعت وفيات الأمهات والأطفال نتيجة انعدام الرعاية الطبية، خاصة مع انتشار الأمراض الوراثية الناتجة عن الزيجات الأسرية.
انهيار التعليم وسط الرحل
كان تعليم أبناء الرعاة يعتمد سابقا على نظام السكن في داخليات ومجموعتين (أ، ب) لتسهيل متابعة الدراسة أثناء الترحال. إلا أن سياسات حكومة الإنقاذ (1989- 2019) ألغت هذه النظم، وجففت الداخليات، وروجت لفكرة أن التعليم غير ضروري، لدعم عملية التجييش، ما دفع الأطفال إلى التجهيل أو الانخراط في كتائب عسكرية. وذلك ما أدى إلى شبه انعدام للتعليم وسط الرحل، وتفاقم التهميش والانفصال المؤسسي والمجتمعي.
الاستثمارات الأجنبية والتحديات السيادية
مع ضعف السياسات الوطنية، بدأت دول الجوار السوداني في الاستثمار في الثروة الحيوانية السودانية عبر استغلال منتجاتها المتعددة (مثل المصارين التي تُستخدم في الصناعات، والقرون التي تُصنع منها أزرار فاخرة، وعصارة المعدة التي تدخل في صناعة أدوية نادرة). هذا التحول يعكس فقدان السودان للسيادة على هذا القطاع الاستراتيجي الذي طاله التهميش وطال مجتمعه الاقصاء والاستغلال لأبنائه في محرقة الحروب.
يتضح أن هناك أشياء ينبغي على الدولة السودانية أن تقوم بها، وهي أن توقف هذه الحرب العبثية التي أضرت بهذا القطاع وأهله، وأن تعمل على بناء جديد لهذا القطاع كمورد اقتصادي مهم بعيد عن القولبة السياسية والتنميط، فهو قطاع حيوي يستحق الدعم المؤسسي المتكامل بإعادة إحياء مراكز البذور والمراعي على طول مسارات الترحال وتوسيع خدمات التطعيم وإعادة تأهيل نظام تعليم الرحل وضمان حماية حق أطفالهم في التعليم، ودعم النساء في المجتمعات الرعوية عبر التمكين الاقتصادي وتوفير الخدمات الصحية، ومعالجة آثار العنف القائم على النوع الذي زادت الحرب من حدته، وأن تتبنى سياسات سيادية تحافظ على الثروة الحيوانية وتحول دون استنزافها من قبل استثمارات أجنبية غير منظمة، وهو ملف طغى عليه كثير من الفساد المؤسسي. بذلك فقط تستطيع الدولة بمراقبة من المجتمع المدني من رتق النسيج الاجتماعي الذي دمرته الحرب والاستغلال لهذه الفئة؛ فيستعيد أفراد المجتمع الرعوي في دارفور وكردفان ثقتهم كسودانيين في دولتهم ومؤسساتها.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (مركز الألق للخدمات الصحفية) في إطار عكس تأثير الحرب السودانية على قطاع الثروة الحوانية والمجتمع الذي نشأ معتمدا عليها في اقتصاده، وكيف أن الحرب فاقمت من مشكلات مزمنة مثل الصراعات والتغيير المناخي.