
إن المنتديات الثقافية التي تقدم المبدعين احتفاءً بهم هو نوع من التعويض أيضا لغياب النقاد. وقد ظلت منذ قديم الزمان تعمل على المدارسة حول المادة المطروحة، فلسفية، أو أدبية، أو تشكيلية، أو فنية. وقد لعبت هذه المنتديات والروابط الثقافية دورا عظيما في تشجيع المبدعين، ومهدت لهم السبيل لمعرفة قدراتهم، وتجويد عملهم.
وكذلك ساهمت في تثقيف جمهورها الذي أدرك معارف كثيرة. والآن تكاثفت هذه المنتديات في الداخل والخارج، واستمعنا إلى أصوات جديدة في الرواية، والقصة، وغيرها من الفنون.
وترافق مع عمل هذه المنتديات وجود مراكز ثقافية شجعت على التنافس الإبداعي الكتابي، وخُصصت جوائز سنوية. ولعل بعض الروائيين قد حصدوا المنفعة دون غيرهم من الممارسين للأجناس الأدبية والفنية الأخرى.
وعبر المسابقات التي ضمت عددا من النقاد تمكن مبدعون من حصد ثمار التجربة، وكوفئ بعضهم بالصيت الإعلامي، والتقييم المادي.
ولكن كثيرين من الروائيين الذين لم يحالفهم التوفيق واصلوا إنتاجهم، وأصبح رهانهم على القطاع العريض من القرّاء، وليس على الجوائز التي يحددها جماعة من النقاد.
والحقيقة أن الجوائز التي تمنح للروائيين، والشعراء، والمغنين، والتشكيليين، والمسرحيين، مع أهميتها وضرورتها لتشجيع الإبداع، ليست كل شئ.
وإذا تفحصنا تاريخنا الفني فنجد أن عددا كبيرا ممن نالوا هذه الجوائز تعثروا إبداعيا، ولَم يتطوروا بينما الذين لم تعترف بهم لجان التحكيم صاروا رموزا في المشهد الثقافي.
إن مرحلة ثورة الاتصال التي نعايشها الآن قلبت الموازيين في كل مجال.
ولعل تأثيرها القوي على الإنتاج الثقافي بكل ضروبه مما لا شك فيه. وحتى الآن يبدو أننا نلامس بدايات تأثير هذه الثورة المعرفية على إبداعنا لنرى إلى أين ترسو سفن التجديد عبر ذائقة الأجيال الجديدة، والتي سترث المشهد الثقافي بعد عقدين، أو خمسة عقود مثلا.
ولذلك فإن تأسيس منابر نقدية للأدب، وغير الأدب، أمر ممكن وميسور إذا أدركنا أهمية النقد، ونوعنا شكل المساهمة الثقافية.
فما نفتقد إليه يتمثل في منابر لدوريات فصلية تهتم بإقامة مشروع نقدي، ومجلات تهتم بالنقد الثقافي، ومنتديات مخصصة له.
وربما يلتقط القفاز يوما بعض الذين يملكون القدرة على صنع الجديد، وذلك لخلق حراك نقدي موازٍ للإنتاج الثقافي، وهذا ما نحتاج إليه بإلحاح.