
منذ عدة أسابيع، تواصل معي شخص أجنبي، بوصفه مختصا في شؤون الترويج للكتب حول العالم، وأنه قدم عشرات الخدمات، لعشرات المؤلفين في أوروبا وأمريكا، وارتقى بتوزيع كتبهم من أرقام هزيلة مضطربة، على أمازون وغيره من مواقع بيع الكتب، إلى أرقام كبيرة لا يمكن تخيلها، وهناك مؤلفون عدة الآن من الأكثر مبيعا، بفضل ما قدمه لهم.
كان يخاطبني بوصفه امرأة، وقالت تلك المرأة إنها تعرفت على كتابتي عبر أمازون وقرأت لي ثلاثة أعمال، أعجبتها جدا، وأنها ترى ظلما في أنني لا أوزع جيدا في الغرب، وهي جاءت لتنهي هذه الأزمة، وتضع كتبي حيث أستحق.
في العادة لا ألتفت لمثل تلك الرسائل، ولا أتجاوب معها، وأعرف حدود الكاتب العربي، الذي مهما كان مبدعا ومتميزا وأصيلا، لن يجد حظوة كبيرة في عديد من اللغات التي يترجم لها، خاصة اللغة الإنكليزية، التي تملك غرورا خاصا، ومشاعر باردة تجاه الكتابة العربية، أو لنقل كل ما هو عربي. ومهما تفوق الكاتب في كسر ذلك الغرور، فلن يوزع سوى بضعة آلاف من النسخ من كتابه المترجم، ذلك بالطبع باستثناء الكتب التي تحصل على جوائز في الغرب، مثل كتب نجيب محفوظ، وكتاب جوخة الحارثي الذي حصلت به على جائزة غربية كبرى، و«فرنكشتاين بغداد» لأحمد سعداوي الذي كسر حواجز كثيرة، وتجول بارتياح في اللغة الإنكليزية وغيرها، وربما كتابات علاء الأسواني، وآخرين قليلين عرفهم الغرب مبكرا، وأحبهم مثل العظيم الطيب صالح.
لكن ما حدث في رد فعلي تجاه تلك الرسالة، وتجاوبي معها، هو أن المحتال، باسم المرأة التي ادعت أنها خبيرة كتب، كان قرأ رواياتي فعلا، قرأها بإتقان، وعرف شخصياتها وحكايتها، وكل المواقف التي وردت فيها، وأظنه أنفق زمنا طويلا في القراءة ليلم بكل شيء. إضافة إلى ذلك، وجدت مراسلات من كتاب معروفين يشيدون بكتابتي، ويشيدون بالوكيلة أو الخبيرة الأدبية التي تراسلني، ويدعوني للتوقيع معها، حتى أنقذ كتابتي من الضياع.
وكعادة الكتاب في استجابتهم للرسائل التي يذكر فيها المرسلون أنهم قرأوا للكاتب، ويتحدثون بإسهاب عن كتبه وشخصياته، كان لا بد أن أرد، وأن أوافق على أن تتولى السيدة أمر كتابتي. لكني في داخلي كنت أحس بالارتياب، أو التذبذب، وعدم الارتياح في قراري. أولا لا أحد محتال يقرأ كل تلك القراءة، ويجيد الوصف بهذه الطريقة، على الأقل لم يصادفني شخص كهذا. وأيضا من جانب آخر، لا يوجد وكيل أدبي يبحث عن كاتب، على العكس، الكتاب تحفى أقلامهم في الكتابة للوكلاء، ولا إجابة. في النهاية قررت أن أرد، ولا أظنني سأخسر شيئا إذا تواصلت مع المرسل، ويمكنني المراوغة، أو الفرار من رسائله في أي وقت.
وكدليل على حسن النوايا، طلب مني الشخص مبلغا هزيلا، حتى يقوم بإحصاء قرائي وكتبي الموزعة، ويزودني بفاعلية كتابتي، ومن هم قرائي المفترضين، وإلى من يجب أن أتوجه؟
وبالفعل بعد ثلاثة أيام أرسل لي رسما إحصائيا فيه كل شيء عن كتابي الذي أخذه نموذجا، وكان فيه الكثير من الصدق، خاصة في توجهه الأفريقي، وتوزيعه وسط الطلاب، وامكانية نمو فاعليته بقليل من الجهد.
وحين سألته عن نتائج زيادة المبيعات التي ذكرها، رد بأنها ستأتي في الأيام القليلة القادمة، وأنني سأستغرب من ذلك ولن أصدق.
كان يلعب على حلم ظنه يتملكني، والحقيقة لم يكن لدي حلم كهذا كما ذكرت، أنا أكتفي بما تحققه كتبي في حدود امكانياتها، وما يحدث من ترجمات للغات أخرى، لا أسعى إليها ولكن تأتي وحدها.
عند ذلك الحد أردت اختبار الوكيلة الأدبية ولي خبرة طويلة في التعامل مع الوكلاء، وأيضا الكاتبة التي تراسلني وتدعي أنها كاتبة شهيرة لها اسمها، وتوزيعها العالي وانتشارها، وتضع في بروفايلها على تويتر صورة تلك الكاتبة، وتنشر نشاطاتها باستمرار، ندواتها، وتوقيع كتبها، وهكذا.
قلت لتلك الكاتبة التي تطاردني بالرسائل والصور التي تحوي قلوب حمراء، وتدعوني باستمرار لتوقيع عقد مع الوكيلة التي تتعامل هي أيضا معها، ما المغزى من اهتمام كاتبة واسعة الانتشار، بكاتب عربي، أفريقي؟
ردت بأن كتابته تعجبها، وهي تريد مصلحته لا أكثر، وقد اعتادت على مساعدة الآخرين.
في تلك الأثناء، ظهر أيضا كاتب أمريكي شهير، بدأ يراسلني، ويحثني على الثقة في الوكيلة، وقد طلب مني عمل صفحة شخصية، ويمكنه أن يتوسط لدى الوكيلة، من أجل أن تصممها، وهي من صمم صفحته.
خلاصة الأمر، وفي هذا الزمن لا يمكن أن يختبئ أحد تحت أي ستار، ما دام يوجد ذكاء اصطناعي، منتبه واع، ويأتيك بالأخبار جملة وتفصيلها.
تفعيل الأسئلة في أحد برامج الذكاء الاصطناعي، وضح انتحال الكاتبة الأمريكية، والكاتب الأمريكي، وواحدة أخرى ادعت محبتها لكتابتي أيضا، لشخصيات أخرى، هي فعلا معروفة وواسعة الانتشار.
تفعيله في حق الوكيلة الأدبية، التي طلبت ألفي دولار في ذلك الوقت لتصميم صفحة شخصية باحترافية شديدة، وضح أن لا وكيل أدبيا معروفا أو مغمورا يحمل هذا الاسم، ولا يوجد في الواقع وكالة أدبية، بالاسم الذي زودتني به. وتغلغل البحث أكثر، ليتضح أن الوكيل المزعوم ما هو إلا واحد متمكن في القراءة، والإنترنت، ويمكن أن يمسك أحلام كتاب كثيرين في أي مكان، ويتلاعب بها.
أنا لم أخسر كثيرا، لكن أعجبني المحتال في كونه لم يأت بلا أفق، على العكس، كان مثقفا، ومتمكنا، وقرأ ما يهمني قبل أن يغزو عالمي.