مقالات

بين نيروبي 2025 والخرطوم 1965: جدول أعمال فاشستي

منذر مصطفى (*)

تنطلق يوم 13 سبتمبر/أيلول 2025 في العاصمة الكينية نيروبي، ورشة “مسارات التقارب المدني السوداني”، بمشاركة شخصيات وطنية مرموقة، ترافقهم واجهات علاقات عامة لـ”الجنجويد”، بدعم من شبكة المناصرة الألمانية SCCT كاستجابة للأزمة الوجودية التي يمر بها السودان، وتهدف المبادرة إلى توحيد أصوات الفاعلين المدنيين غير المرتبطين بأطراف الحرب، ويسعى الداعمون إلى بناء الثقة وإيجاد أرضية مشتركة للسلام من خلال حوار يقوده السودانيون، حسب وصف وثيقة الورشة، مع التركيز على أولويات مثل رسم خريطة للفاعلين المدنيين، وتطوير استراتيجيات موحدة للمناصرة، وتنظيم حوار شامل.

 

رغم أهمية مثل هذه المبادرات في تطوير جدول الأعمال الوطني، خاصة وأن السودانيين يتطلعون لسلام عادل يفكك نظام المؤتمر الوطني، ويستعيد الثقة في مؤسسات الدولة، وصولًا لديمقراطية راسخة وتنمية متوازنة، إلا أن الوقائع التي سبقت قيام الاجتماع أثبتت أنها لا تختلف كثيراً عن مبادرة برومدييشن (ماليزيا)، التي هدفت للسخرية من معاناة السودانيين جراء انقلاب 25 أكتوبر 2021، وحرب 15 أبريل 2023، وحاولت التسفيه من تطلعات عموم الشعب الذي أسقط نظام عمر البشير بثورة غير مسبوقة في عظمتها وعنفوانها السلمي، ويستنتج المراقبون من جدول اجتماع أيلول محاولة أخرى لإعادة إنتاج تجربة “تقدم” بصورة أو بأخرى وتلطيخ أيدي الفاعلين الشرفاء بالدماء التي يسفكها أطراف الحرب منذ ما يقارب الـ1000 يوم.

 

لا أحد يمكنه التشكيك في نوايا الشخصيات الوطنية ورغبتهم الصادقة في تسريع عجلة السلام، بما في ذلك من خلال انخراطهم في هذا الاجتماع، لكن تفريغ برنامج العمل من محتواه وتحويل هذه العملية برمتها كغطاء علاقات عامة لواجهات الجنجويد، لممارسة دعايتها غير المتناسبة مع السياق الحالي والتاريخي لقوات الدعم السريع، ومن خلفها جماعة الإخوان المسلمين، من خلال فتح مسارات دبلوماسية جديدة لها لاستمرار منطق العمليات العسكرية، لا يمكن تبريره بأي حال من الأحوال.

 

إن إصرار بعض الشخصيات على دس رأسها في الرمال والخضوع لرغبة أطراف الحرب في تجاوز المؤسسات الوطنية الوازنة – المناهضة للحرب، والتي يمكنها أن تتفادى مخطط تذويب القوى المدنية في أطرافها، والضجر المستمر من صوتها والاشتراك في التنمر السياسي عليها وطرد عناصرها من لجان العمل بصورة تشبه محاكم التفتيش في المانيا النازية، ومن ثم فرض واقع جديد بدونها، يفتح تساؤلاً مفزعاً ومقلقاً يسبب الغثيان وفقدان التوازن، معنوناً بفاشستية ومسقوفاً بالخذلان.

 

ولم يتعافَ جدول الأعمال الوطني بعد من حادثة الالتفاف على الإرادة الشعبية الحرة بطرد نواب الحزب الشيوعي يوم 25 نوفمبر/تشرين الثاني 1965 من برلمان الديمقراطية الثالثة، وما صاحبه من فرض جدول أعمال معيب وتكميم صوتهم وحق التعبير، وفي يوم 9 سبتمبر/أيلول 2025 يعاد ذات نهج الإرهاب السياسي، ويطرد عضو برلمان الشباب – السودان، من المبادرة، لفرض جدول أعمال مشبوه يكرس لتبعية المجتمع المدني لأحد أطراف الحرب الحالية ويجعلهم مجرد غاسلي السمعة.

 

 

(*) باحث – معهد السياسات العامة- السودان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى