مقالات

من إبداع “الغابة والصحراء” إلى شفاهة “البحر والنهر” (3/2)

صلاح شعيب

خلافا للأصوليين الدينيين الذين يعتمدون الإسلام كقاسم مشترك لتوحد ما تبقى من شعوب السودان سياسياً، يعود بنا منظرو فصل الشمال، والوسط، والبحر الأحمر، وشمال كردفان، الى دائرة التوحد الضيقة التي تضم أبناء العمومة، مضافاً إليهم العناصر الزنجية الأصل مثل المحس، والحلفاويين، والدناقلة، المجاورة. 

 

ذلك بحسب أن هذه الآصرة المناطقية من شأنها إقامة دولة نموذج إزاء دولة السودان القائمة الآن على التنافر القبلي، والعشائري، والأيديولوجي، والطبقي. 

 

وفي هذا الخصوص يغذي هؤلاء المبشرون بدولة لا تضم الرائعين مستمعيهم النهريين، والبحريين، المستهدفين بنماذج من شفاهة يومية تقيس مجريات الأحداث السياسية بعقلية التحليل الثقافي العرقي. 

 

إن المطالبة بانفصال الشمال، والوسط، وشمال كردفان، عن السودان الكبير لتكوين دولة تضم أعراق هذه المناطق ليست سبة إذا جاءت وفق محاجات الهوية التي تبررها الإحساس بضرورة تقرير المصير الذي أقرته الأمم المتحدة للشعوب المضطهدة. 

 

بل إن أية مطالبات لشعوب أخرى في السودان بتقرير مصير حق حق بأي تقدير سياسي جاء. ذلك إذا انبنى على رؤى موضوعية تفيد هذه الجماعات المتعددة بتحقيق تطلعاتها في الحياة الكريمة، والعادلة، والتي لم تتوفر في الدولة القطرية، أو تم غمط هذه التطلعات الأقوامبة بعنف الشبكة الاجتماعية الحاكمة في مركز السلطة.

 

ولكن الخطاب الشمالي الانفصالي، وهو يقيم حجته التي يمكن الحوار معها، يتجاوز هذا الطلب السياسي، ليستخدم مضامين من خطاب الكراهية المتبادل، وعنف الدولة الحالية، لسحق حواضن المجموعات المناطقية المتمردة على الدولة، سواء التي تنازلها في الحرب، أو التي تتعاون مع البرهان في حربه ضد الدعم السريع.

 

لقد لاحظنا أن هذا الخطاب الشمالي الانفصالي ولد بالمقابل تجييشا لصالح ما يسميهم حواضن الدعم السريع التي يجب أن تصير شواءً بالبراميل المتفجرة التي يقذف بها سلاح الجو السوداني في كبكابية، والكومة، ومليط، ودبة نايرة. 

 

وهكذا وجد الدعم السريع بهذا الخطاب العرقي المضاد له شحذاً قبلياً مناطقياً يعينه بأسرع، وأفضل، ما يمكن في معركته ضد الجيش،. ومن ناحية أخرى ولد هذا خطاب الكراهية الشمالي لهولاء الانفصاليين الشفاهيين غضباً لدى حواضن الجماعات العرقية التي تناصر الدولة المركزية، وكذلك عند المثقفين المحايدين في صراع الهامش والمركز. 

 

وبهذه النتيجة نشأت خطابات أخرى في مناطق النزاع كرد فعل لهذا التحقير العرقي لتنشط من ناحية خطاب المركز والهامش، وتستدل هذه الخطابات رجاحة تنظيرها هنا من ناحية أخرى على مقولات الانفصاليين الشماليين المستندة على الحضور القوي لأبنائهم في الفعل السياسي المركزي، وكذلك على توجهات الدولة في سن سياسات اثناء الحرب توكّد ضمنيا على وقوع الفصل المناطقي بين الشعوب التي يدافع عنها الانفصاليون وبين شعوب مناطق النزاع، والتي تعرض بعض أفرادها بعد دحر الدعم السريع من الشمال والوسط إلى التمييز العنصري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى