
يخرج الضيف – بعد نصف ساعة – فيسلم علينا الأستاذ صلاح احمد إبراهيم بحرارة، ومودة بائنة كأنه يعرفني وزميلي من قبل، وأدخلنا إلى صالونه. وقبل أن تمتد المؤانسة رأيت أن أبكر في طرح فكرة المجئ إليه. ولكنه اعتذر لنا عن إمكانية الحوار في ذات اللحظة لذهابه إلى مشوار، سوى أنه التزم دون قسم مغلظ أنه قبل سفره صباح الغد سيجيب على الأسئلة المكتوبة على أن تسلمني شقيقته الإجابة عند العاشرة صباحاً.
ووقتذاك تكون طائرته مواجهة بتعاظل المطبات الجوية فوق المحيط. اتفقنا ثم أسرعت في كتابة عشرة أسئلة، وسلمتها له فانصرفنا. ومع ذلك ساورتني شكوك أنه لن يفي بوعده لأية أسباب إذا قدر الله. فربما عاد متأخرا من مشواره في الهزيع الأخير من الليل، ثم أخلد للنوم بعد رهق، وبالتالي تظل أسئلتي معلقة على صفح الزمن.
ولكن عبد السلام طمنني، وهو ابن صوفية، وفيه مهلة بال، وهدوء رجال الإدارة الأهلية.
عند الصباح طرقت الباب، فأجلستني الراحلة فاطمة في الصالون، وذهبت إلى داخل المنزل، فأسقطت في يدي شكوكي.
عادت بظرف ففضيته حتى يطمئن قلبي فوجدت الأسئلة، والإجابات، معا بخط أنيق. شكرتها، وذهبت إلى محطة المواصلات القريبة من منزلهم لأتمعن الإجابات، وحالاً سلمت الحوار للأستاذ كمال حامد الذي كان قد عاد من جدة ليدير مكتب الشرق الأوسط أيضاً.
في المريديان التي أرادها مكاناً للقاء الثاني ثم الحوار وجدته قد وصل قبلي. تبادلنا أطراف الحديث حتى أتت مها التي تكرمت بعد هنيهات بتطعيم شاي اللبن حتى قال عبارته تلك التي جعلت ملعقة واحدة تكفي. ولاحقاً أتى الأستاذ محمد المكي إبراهيم بعد ثلاث ساعات تقريباً ليأخذه نحو وجهة ثانية.
الحوار الثاني تطرق إلى مواقف صلاح المؤيدة للإنقاذ، فضلاً عن تناول العديد من القضايا السياسية التي أثرناها عبر أسئلتنا الساخنة التي كان يتلقاها بضحكات، وقفشات.
ولما نثقل عليه بالسياسي تعود أسئلتنا به من ثم إلى عالم الشعر، والكتابة السياسية، والغناء. ولم ننس أن نتناول في جلستنا الممتدة استعار الحوار حول قصيدة النثر، وسطوع نجم أدونيس عند جيلنا، وتجارب المدارس الفكرية والثقافية مثل الفجر، والهاشماب، والغابوالغابة والصحراء، وأبادماك، والخرطوم التشكيلية، وسودانوية اللواء الأبيض. وكذلك مرات نذكره بصراعه مع حزبه، وهجائه لعبد الخالق، وتجربته مع السفارة كمثقف، إضافة إلى التطرق إلى رواه حول الأزمات الثقافية المتصلة بغياب النقد، وصعوبة النشر الثقافي، وشح الترجمة، وهجرة المبدعين، وغيرها من الأزمات الإقليمية، والقضايا الحضارية، التي تناولناها في ذلك الحوار الثمين مع هذا الرمز الثقافي المهيب الذي له في الأدب صولات، وفي السياسة جولات.