تقارير

الفشل الشامل: كيف خذلت حكومة جنوب السودان مواطنيها؟

تقرير - دينق بول أرواي 

أثبتت التجربة السياسية في جنوب السودان خلال السنوات الماضية أن الحكومة قد أخفقت إخفاقاً عميقاً وشاملاً في أداء مسؤولياتها تجاه المواطنين. فبينما يعيش كبار المسؤولين في رفاهٍ داخل جوبا أو في عواصم أجنبية، يواجه المواطن العادي معاناة يومية مع الفقر والجوع وانهيار الخدمات، في مفارقة صارخة بين سلطة مترفة وشعب منكوب.

ما يلي ليس خطاباً سياسياً، بل قراءة واقعية في ملامح هذا الفشل، بلغة الأرقام والحقائق.

أولاً: دولة يعيش ثلثا سكانها على المساعدات

يعتمد أكثر من 9 ملايين مواطن — أي ما يتجاوز ثلثي السكان — على المساعدات الغذائية والإنسانية للبقاء على قيد الحياة. ولولا جهود المنظمات الدولية، لكانت المجاعة قد أزهقت أرواح الآلاف.

هذا الاعتماد المفرط على العون الخارجي يعكس غياب الرؤية الاقتصادية الوطنية، ويُظهر عجز الدولة عن بناء اقتصاد قادر على تلبية أبسط احتياجات شعبها.

جنوب السودان

ثانياً: نزوح بلا نهاية ولجوء بلا أفق

اضطر أكثر من 2.3 مليون من أبناء جنوب السودان إلى اللجوء خارج البلاد، فيما نزح قرابة مليوني شخص داخلياً. أجيال كاملة تنشأ اليوم في مخيمات اللجوء، محرومة من التعليم والأمن والاستقرار، بينما تظل الحكومة غائبة عن إيجاد حلول واقعية لواحدة من أسوأ أزمات النزوح في القارة.

ثالثاً: اقتصاد منهك وأسعار خارج السيطرة

التضخم يلتهم ما تبقى من قدرة المواطن على الصمود. فقد ارتفعت أسعار السلع الأساسية بأكثر من 400% في بعض المناطق، فيما تمضي الأشهر دون أن يتقاضى موظفو الدولة رواتبهم الضئيلة أصلاً.

تحوّلت الوجبة اليومية إلى معركة بقاء، وأصبح الجوع هو القاسم المشترك الأعظم في حياة ملايين المواطنين.

جوبا – جنوب السودان

رابعاً: الشباب بين البطالة والإحباط

تجاوزت نسبة البطالة بين الشباب 80%، لتضع البلاد في مصاف الأعلى عالمياً. آلاف الخريجين يجدون أنفسهم عالقين بين الأمل المفقود والهجرة القسرية، فيما ينزلق آخرون إلى مسارات خطيرة تشمل الجريمة أو حمل السلاح.

فحين تغيب الدولة، يتحول الفراغ إلى بيئة خصبة للفوضى واليأس.

خامساً: نظام صحي يحتضر

تعمل المستشفيات العامة بلا أدوية أو معدات أو كوادر كافية، وبعضها يفتقر حتى إلى المياه النظيفة. في المقابل، يسافر كبار المسؤولين للعلاج في الخارج على نفقة الدولة، تاركين المواطن يواجه المرض والموت بلا علاج ولا كرامة.

جنوب السودان

سادساً: انهيار الخدمة العامة وتهميش عماد الدولة

المعلمون، الجنود، والموظفون المدنيون — الذين يمثلون العمود الفقري لأي دولة — يتقاضون رواتب لا تتجاوز 30 دولاراً شهرياً، وغالباً تُؤخر لأشهر.

بينما يُكافأ الولاء السياسي بسيارات فارهة ومنازل فخمة في الخارج، يظل من يحمل الوطن على كتفيه بلا مقابل.

سابعاً: أمن غائب ومجتمعات بلا حماية

تتكرر هجمات الماشية وعمليات الكمين والقتل الانتقامي في أنحاء البلاد، دون أن تبادر الدولة بفرض القانون أو حماية المدنيين.

تُركت المجتمعات لتؤمّن نفسها بنفسها، في انعكاس مباشر لانهيار مؤسسات الدولة الأمنية، وتآكل قدرتها على بسط نفوذها خارج العاصمة.

جنوب السودان

ثامناً: الثروة النفطية… لعنة لا نعمة

رغم أن جنوب السودان يجني مليارات الدولارات سنوياً من عائدات النفط، فإن مظاهر التنمية غائبة تماماً. لا بنى تحتية، ولا كهرباء مستقرة، ولا مياه نظيفة.

يتكرر السؤال الشعبي: أين ذهبت أموال النفط؟ — والإجابة معلومة للجميع، لكنها مسكوت عنها: الفساد ابتلع الدولة.

تاسعاً: حرية التعبير تحت الحصار

الخوف أصبح قاعدة لا استثناء. فالمواطن العادي يخشى إبداء رأيه، والصحفيون والنشطاء والمدافعون عن الحقوق يعيشون تحت تهديد دائم بالاعتقال أو المضايقة.

ما كُتب في الدستور عن حرية التعبير لم يتجاوز حدود الورق، فيما الممارسة الواقعية تُدار بالعصا الأمنية لا بالقانون.

مواطني جنوب السودان

الخاتمة: فشل يتجاوز السياسة إلى فقدان الشرعية

ناضل شعب جنوب السودان من أجل الحرية والكرامة والعدالة، لكنه وجد نفسه بعد أكثر من عقد من الاستقلال أمام دولة تترنح تحت ثقل الفساد والعجز وسوء الإدارة.

إن ما يحدث اليوم ليس مجرد أزمة عابرة، بل فشل بنيوي ممنهج في إدارة الدولة.

فالحكومة التي تعجز عن حماية مواطنيها، وإطعام جياعها، وضمان صوتٍ حرّ لشعبها،

هي حكومة فقدت شرعيتها السياسية والأخلاقية، وخلّفت وراءها وطناً يتألم وصوتاً يبحث عن من يسمعه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى