
في قلب أكبر منطقة صناعية بولاية الخرطوم السودانية ينحني مهندس على ماكينة معطلة في محاولة لتشغيل خط إنتاج دمرته الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين.
وبدأ الفارون من الصراع الذي اندلع في 2023 يعودون إلى ديارهم هذا العام بعدما استعاد الجيش السوداني العاصمة من قوات “الدعم السريع” شبه العسكرية، وعلى رغم احتدام القتال في مناطق أخرى من البلاد، فقد بدأت مصانع في لملمة شتات نفسها.
وقال المدير في مصنع تابع لمجموعة “سي تي سي” بمنطقة بحري في الخرطوم الكبرى عاصم الأمين، “هذا المصنع كان يعمل في إنتاج الأدوات الكهربائية وأجزائها كلها”، وأضاف وهو يشاهد أعمال الإصلاح “نحن حالياً نعيد تأهيله، وإن شاء الله نرجع للسيرة الأولى (لما كنا عليه من قبل)”.

خسائر فادحة
إضافة إلى عمليات الإصلاح، هناك أيضاً ضرورة للقيام بعمليات ترتيب ضخمة في ظل تناثر المعادن الملتوية والأنقاض في المصانع والمستودعات بجميع أنحاء العاصمة، ويصلها الضوء من خلال الثقوب التي خلفتها القذائف واللصوص في الأسقف والنوافذ.
وانهار الاقتصاد السوداني بعد اندلاع القتال، وكان يعاني بالفعل قبله، وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي انكمش 29 في المئة خلال العام الذي بدأت فيه الحرب و13.5 في المئة في 2024.
وعلى رغم ما ساقته الأمم المتحدة عن عودة أكثر من مليون شخص إلى الخرطوم مما أنعش سوق السلع المحلية، فلا تزال شبكات المياه والكهرباء خارج الخدمة.
وقالت مجموعة “سي تي سي”، التي تعد أيضاً أكبر مورد زراعي في السودان، في بيان لـ”رويترز” “تعرض مجمع التصنيع الخاص بنا لأضرار جسيمة (و) تعرضت المباني والأنظمة الكهربائية والمعدات المهمة إما للنهب أو التدمير”، وأضافت “نتوقع تشغيل خطوط إنتاجنا من جديد قبل نهاية العام”.

تراجع الجنيه السوداني
فقد الجنيه السوداني أكثر من 80 في المئة من قيمته خلال الصراع، وتكافح الحكومة لتحصيل إيرادات من أجل دفع أجور الموظفين وشراء مستلزمات ضرورية، مثل الأدوية.
وتعثر أيضاً القطاع الزراعي المهم جداً في السودان وزاد تهريب الذهب إلى الخارج لتجنب دفع الرسوم الجمركية.
وقال رئيس اتحاد أصحاب العمل السوداني، معاوية البرير الذي قدر خسائر القطاع الصناعي بنحو 50 مليار دولار “عدد المصانع التي عادت للعمل حتى الآن قليل نسبياً”، وأضاف متحدثاً من مصنعه للأغذية والمشروبات “أكبر معيق الآن لتشغيل بقية المناطق الصناعية هي الطاقة الكهربائية وأسعار الديزل والرسوم المفروضة علينا حديثاً”.
وكان انهيار الاقتصاد أكثر ما شعر به ما يزيد على نصف السكان الذين يحتاجون الآن إلى مساعدات إنسانية.
وقالت صفاء آدم، وهي عاملة في المصنع، إنها وعائلتها أصبحوا مفلسين بعد بدء الحرب، وأضافت “عشنا ظرفاً ولا حتى في الخيال، كنا نتخيل أن نعيش أوضاعاً مثلها… أكلنا حاجات مدتها (صلاحيتها) منتهية، حتى الحاجة المنتهية المدة أصلاً ما وجدناها لنأكلها”، وأشارت إلى أنه بعد عودتها وعثورها على عمل “لكن الآن الحمد لله مع الشغل بقي عندك دخل ثابت”.



