تقارير

السفاح “أبو لولو”… اعتقال جدي أم تحسين صورة؟

مشاوير - وكالات

أثار الإجراء الذي قامت به قيادة قوات “الدعم السريع” باعتقال القائد الميداني المعروف بـ”أبو لولو” كثيراً من الجدل والتساؤلات الواسعة في الأوساط السياسية والقانونية، وكذلك بمنتديات السودانيين في مواقع التواصل الاجتماعي حول مدى جدية تلك القوات في محاسبة المتورطين بارتكاب الجرائم المفزعة منذ اندلاع الحرب في أبريل عام 2023.

وشكا كثير من المجموعات والهيئات الحقوقية في شأن وسائل التحقيق وتقديم “أبو لولو” الذي عرف على نطاق واسع بتنفيذ عمليات قتل بدم بارد أرعبت المدنيين في الفاشر إلى محاكمة عادلة ونزيهة وشفافة، وعد حقوقيون خطوة “الدعم السريع” محاولة لامتصاص الغضب والإدانات الدولية والإقليمية المطالبة بوقف الجرائم ومحاسبة المتورطين، وكذلك الإيحاء بوجود مؤسسات انضباطية داخل قواته من خلال إعلانه تشكيل لجان تحقيق عسكرية وقانونية.

الدعم السريع في الفاشر

سجن شالا

نشرت منصات تابعة لـ”الدعم السريع” مقطع فيديو يظهر نقل “أبو لولو” إلى سجن شالا في مدينة الفاشر وهو مقيد اليدين وإيداعه إحدى الزنازين.

وجرت عملية التوقيف داخل مدينة الفاشر بثلاث سيارات مدججة بالمسلحين ومن دون مقاومة، حيث نقل “أبو لولو” إلى سجن شالا الصحراوي الذي شيده الإنجليز عام 1947، ويقع جنوب غربي الفاشر.

وقال المتحدث باسم “الدعم السريع” في بيان إنه “تنفيذاً لتوجيهات القيادة، والتزاماً بالقانون وقواعد السلوك والانضباط العسكري أثناء الحرب، اعتقلت قواتنا عدداً من المتهمين في التجاوزات في الفاشر، وعلى رأسهم المدعو أبو لولو”.

ولفت إلى أن اللجان القانونية المتخصصة باشرت التحقيق مع المتهمين، تمهيداً لتقديمهم إلى العدالة، مبيناً أن قواتهم تتعامل بمسؤولية كاملة لإحقاق العدالة، بعيداً من أي توظيف دعائي أو تماه مع حملات التهويل والتسييس.

وأقر “أبو لولو” في بث مباشر عبر منصة “تيك توك” بقتل مئات الأشخاص، معلناً نيته رفع العدد إلى ألفي قتيل، ومبرراً إقدامه على ارتكاب هذه الجرائم انتقاماً لمقتل عدد من أفراد أسرته خلال الحرب الجارية.

ولم يكن اسم الفاتح عبدالله إدريس الملقب بـ”أبو لولو” يثير أي انتباه في إقليم دارفور قبل اندلاع الحرب، لكن خلال الفترة الماضية، صعد إلى صدارة المشهد، بعدما عرف على نطاق واسع بتنفيذ عمليات قتل بدم بارد أرعبت المدنيين في عاصمة شمال دارفور، حتى أطلقوا عليه لقب “سفاح الفاشر” وأحياناً “جزار الفاشر”، بخاصة عقب أن أقسم في تسجيله الصوتي أنه لن يتوقف عن القتل حتى يكمل ضحاياه العدد 2000.

أبو لولو

تحسين صورة

في السياق يقول المحامي والمستشار القانوني أحمد موسى إن “أبو لولو قاتل محترف ومنفذ إعدامات على الأبرياء والعزل من المدنيين تحت سمع وبصر وحماية ميليشيات ’الدعم السريع’، وما ارتكبه من جرائم مروعة لا يختلف عن انتهاكات عدة حدثت في ولايات كردفان والجزيرة والخرطوم ومدن أخرى”.

وذكر أن “اللافت في خطوة قيادة ’الدعم السريع’ هي محاولة تهدئة انفجار الغضب العالمي الذي أرعب قادة الميليشيات، لذا اختارت أن تجعل ’أبو لولو’ كبش فداء صورياً في مسرحية سيئة الإخراج جرى تصويرها بصورة احترافية تشير إلى أن المقصود هو الإعلان عن القبض على مجرم حرب لتوجيه رسالة إلى الخارج ولإيحاء بوجود مؤسسات انضباطية من أجل تهدئة الإدانات الدولية والإقليمية المطالبة بوقف الجرائم ومحاسبة المتورطين”.

وأوضح موسى أن “الميليشيات لا تهتم بالداخل السوداني بدليل تزايد معدلات الانتهاكات والجرائم المفزعة التي ارتكبتها في غالبية مدن البلاد، لكن الصوت الخارجي بات يغلي أكثر من الداخل، بالتالي شرعت في خطوة اعتقال هذا القاتل عبر تصوير الحدث والاهتمام به من أجل الدعاية لتحسين صورتها أمام العالم”.

وتابع المحامي والمستشار القانوني، “السيناريو المتوقع أن يجري سجن ’أبو لولو’ لفترة ومحاكمته بصورة صورية، بخاصة في ظل تزايد الإدانات الدولية والإقليمية، وربما تصفيته للتخلص منه”.

أبو لولو

تسليم لـ”الجنائية”

بدوره رأي رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور الصادق علي حسن أنه “بصورة عامة أية جهة تعلن توقيف شخص قام بارتكاب جرائم جنائية وتوافرت في شأنه بينات مبدئية، والإعلان عن ذلك يجب أن ينظر إليه أو التعامل مع هذه الخطوة في إطار الجدية وبمسؤولية بغض النظر عن الدوافع، ولكن في حال ’الدعم السريع’ فإنه لا يملك أجهزة قضائية يعتد بها، مما يعني عدم وجود نيابة عامة تتولى التحقيق والقضاء لمحاكمة المجرمين”.

وقال، “حتى تكتسب هذه الخطوة قيمتها كعملية جادة للمحاسبة ومنع الإفلات من العقاب، فقد أعلن مدعي المحكمة الجنائية الدولية توسيع تحقيقاته بموجب قرار مجلس الأمن رقم 1591 للتحقيق في الجرائم المرتكبة في دارفور، لذا على قادة ’الدعم السريع’ القيام بتسليم ’أبو لولو’ لإظهار جديتهم من اتخاذ تلك الخطوة وإلا فلا معنى لأية إجراءات تتخذها ’الدعم السريع’ في شأن محاسبة وتطبيق القانون”. 

ونوه حسن بأن “الإفلات من العقاب في السودان صار ثقافة محمية بواسطة شاغلي السلطة، وحتى الذين يلاحقون جنائياً من خلال المحكمة الجنائية الدولية فالإجراءات المتخذة أمامها ساعدت في تقنين حالات الإفلات من العقاب”.

مدينة الفاشر

كبش فداء

على الصعيد نفسه أوضح المتخصص في مجال القانون الدولي عز الدين الشيخ أن “الدعم السريع” غير مؤهلة لمحاكمة المتهمين بارتكاب مذابح ومجازر وجرائم ضد الإنسانية لأن هذه طبيعة قادتها، ناهيك بالجنود، بالتالي فإن الخطوة الأخيرة نتجت من الضغوط الإعلامية والإدانات الدولية لتحسين صورتها أمام العالم، فمن غير المعقول أن تتجسد جرائم أكثر من عامين في شخص واحد، لذا ستقدم الميليشيات ’أبو لولو’ كبش فداء لامتصاص الضغوط الإقليمية عبر إظهار مبدأ الالتزام بالمحاسبة وإنفاذ القانون ورفض الانتهاكات، بخاصة بعد تحركات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والمطالبة بمحاسبة المتورطين في جرائم الفاشر”.

ولفت الشيخ إلى أن “خسائر ‘الدعم السريع’ الأخلاقية والسياسية تضاعفت بتعميق الكراهية الشعبية العارمة لها وفقدانها أدنى تعاطف حتى ممن كانوا يتهمون بالتحالف معها، لذا تزامنت الإدانات والضغوط من الداخل بمستوى الخارج ذاته”.

وأشار إلى أن “’الدعم السريع’ لا تملك أجهزة للعدالة وإنفاذ القانون، وهي غير مؤهلة أخلاقياً إلى الاستقلالية اللازمة لتنفيذ محاكمات عادلة ونزيهة وشفافة، معتبراً أن عملية اعتقال ’أبو لولو’ مسرحية تندرج في إطار تحسين صورة الميليشيات”.

أبو لولو

تهدئة موقتة

على نحو متصل قال المحامي في مجال حقوق الإنسان زاهر عابدين إن “الدعم السريع تظهر تناقضاً واضحاً بين لغة الالتزام وواقع الفعل، خصوصاً بعدما التعهدات السابقة التي لم تنفذ حتى اليوم في ولايتي الجزيرة وكردفان في شأن محاسبة المتورطين في الجرائم وتحقيق العدالة، بالتالي فإن اعتقال أبو لولو يأتي في سياق امتصاص الغضب الدولي والشعبي داخل السودان”.

ونوه عابدين بأن “الدعم السريع” أعلنت عن تشكيل لجنة تحقيق في الانتهاكات، لكنها لا تقدم أية ضمانات لشفافيتها أو استقلالها، فغياب التفاصيل حول آلية التحقيق أو الجدول الزمني أو الإشراف الدولي، يجعل هذا الوعد أقرب إلى تكتيك تهدئة موقتة منه إلى التزام حقيقي بتطبيق العدالة ومحاكمة “أبو لولو”.

وتابع المحامي في مجال حقوق الإنسان “نفذت إعدامات ميدانية لمئات المدنيين في الفاشر، وهي وقائع لم تقابل بخطوات عملية سوى إعلان لجنة جديدة واعتقال شخص واحد فقط عبر مسرحية ’سمجة’ لا تنطلي على أحد”.

أبو لولو

مجازر ومذابح

ومنذ عام 2003، عندما كانت في بادئ الأمر ميليشيات يطلق عليها اسم “الجنجويد” ومعناه “جن يمتطي جواداً”، اتهمت هذه الميليشيات وقتها، بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وعمليات تطهير عرقي أثارت انتقادات دولية واسعة.

وطوال هذا التاريخ الدامي الحافل بالمجازر الموثقة، لم تجر حتى اليوم محاكمة أحد بتهمة ارتكاب جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، باستثناء متهم واحد سلم نفسه طوعاً هو علي محمد علي عبدالرحمن المعروف بـ”علي كوشيب”، ودانته المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي.

وارتكبت قوات “الدعم السريع” مذابح في مدينة الجنينة عاصمة غرب دارفور، نهاية سبتمبر (أيلول) عام 2023، وراح ضحيتها أكثر من 1200 قتيل، معظمهم من قبيلة المساليت ذات الأصول الأفريقية التي تشكل غالبية سكان المدينة، وفر كثر صوب الحدود التشادية الأقرب لهم.

وعقب سيطرتها على مدينة الفاشر الأحد الـ26 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ارتكبت تلك القوات فظاعات وجرائم راح ضحيتها أكثر من ألفي قتيل خلال ثلاثة أيام فقط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى