
تحركات العلاقة بين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا “والتي حتي أن غيرت اسمها” يظل التاريخ موجودا، فالتاريخ لا ينسى أن الجبهة الشعبية لتحرير أريتريا، التي كانت الداعم الأول، لمجموعة السبع التي أسست جبهة تحرير تيغراي، في مطلع حراكها الأولى، فكانت التدريب والإمداد والتخطيط، من قبل الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، لدعم مسيرة نضالها الأولى.
وخلال مراحلها الأولي، قد أدخلت انقسامات متعددة داخل مكون التيغراي السياسي “إنقسام مناطقي متعدد بحسب المناطق والقبلية داخل تيغراي” مما كان له صدى كبيرا في خلافات ما زالت تتوارث حتي يومنا هذا داخل مكونات جبهة تحرير تيغراي، وكانت أغلب الخلافات لأسباب مناطقية في القيادة، مما خلق تجمعات داخلية بحسب المناطق التي تعود إليها القيادات من الصف الأول والثاني.
وفي أولى فترات نشاطهم السياسي “الجبهتان ” اتفقا ضد النظام العسكري الماركسي بقيادة العقيد منقستو هيلي ماريام “1974 – 1991 “، كانت الجبهة الشعبية لتحرير أريتريا هي الأقدم، والأكثر خبرة، وهو ماجعلها تقدم الدعم والتدريب ونشر حتي بعض الأفكار داخل مكونات تيغراي السياسية، التي انقسمت في أولى مراحل نضالها عدة مرات، وكادت المؤامرات أن تنسف خطاها وهي في أولي مراحلها النضالية.
فدعم مجموعات أسياسي في تلك الفترة لمجموعات سبحات نقا وموسى وغيرهم، أدى لتكوين حليف لهم كانت له دور كبير في النضال المشترك ضد نظام عسكري ،كان يمثل عدوا مشتركا بين الطرفين فشلت دول عدة في التصدي له “النظام العسكري الإثيوبي أنذاك”، ولكن سرعان ظهرت عمليات هيمنة وأنفراد في القرارات، وتطورت الخلافات متعددة، ما بين القيادات بسبب الولاءات للمكون الأريتري آنذاك.
فكانت انقسامات في الداخل مابين مؤيد ومعارض لمواصلة التعاون مع الجبهة الشعبية لتحرير أريتريا ،وتواصلت النضالات المشتركة، مرات بصورة متعاونة أحيانا كلا على حدا.
إلى أن أدت التراكمات المتعددة لتطور الخلاف عقب العام 1993، وظهور عمليات اغتيال كبرى في أديس أبابا، وتبادل بسببها الجانبان الاتهامات، وكانت الشخصيات التي قتلت من بينها قيادات عسكرية وسياسية متعددة من جبهة تحرير تيغراي، وصولا الى الحرب الإريترية الإثيوبية 1998 – 2000، والتي أدت لقطيعة كبيرة بين النظامين، وظلت حالة من الجمود بين الكيانين السياسيين في المنطقة لفترة، وظهرت علي أثرها تحالفات وتكتلات لعزل مجموعة أفورقي سياسيا من المنطقة، وكأنها تعيش في منطقة أخري.
وصولا للعام 2018 واتفاقية السلام والتي تم دعمها من قبل دول وكيانات عدة، عسي ولعل أن تحقق بعض التغيير المنشود من علي البعد، بموجبها جعل أبي أحمد الرئيس الأريتري أسياس أفورقي، يتنفس الصعداء ليعود مرة أخري في تحركات كان ممنوعا عنها بسبب الحصار، ليجد الفرص بدعم من الحكومة الإثيوبية، لمحاربة صديق وعدو سابق، يري أنه كان سببا في حصاره داخليا وخارجيا.
فكانت حرب تيغراي 2020-2022، التي سرح ومرح فيها جيش الديكتاتور الأريتري وقتل وأغتصب ونهب ودمر وسرق …….والخ، وسعي في ارض تيغراي فسادا لا حدود له، لتكون للسلام أكبر نغمة وليست نعمة يستفيد منها الشعبين، وسرعان ما أنقلب السحر علي الساحر بظهور خلافات متطورة بين أديس أبابا وأسمرا، وهذه المرة بصورة متسارعة دون أن تبرز أي ملفات يمكن أن نقول بأنها السبب، سوى سلام أتفاق بريتوريا الذي وقعت الحكومة الإثيوبية مع جبهة تحرير تيغراي لوقف الحرب، وهي الاتفاقية التي أغضبت النظام الإريتري، والذي ظل متمسكا بمواصلة الحرب للقضاء علي جبهة تحرير تيغراي احتلت دارها.
ومازالت الخلافات تسير وفق خطئ غير واضحة، مع تقديرات وتوقعات بتاجيج الصراع في البلدين، بسبب تصريحات إثيوبيا لأهمية الوصول لمنفذ بحري، أعتبرته أديس أبابا موضوع مصيري وأمر لابد منه، علي الرغم من النفي الإثيوبي لأستخدام القوة أو الدخول في حرب مع أريتريا، مع بعض التصريحات الدبلوماسية، لكن ما نشاهده على الجانبين يقول أن المشهد ساخن وحيوي.
وبعد بريتوريا كان للنظام الأريتري رأي أخر ، ونأى بنفسه من أي علاقة واضحة مع أديس أبابا، ويتودد مرة أخري لصديقه القديم وعدوه اللدود الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، والتي تطورت خلافاتها مرة أخرى مع حكومة أديس أبابا، لأسباب عديدة لتعود بها إلى مربع الحروب والتحالفات المتغيرة في المنطقة “تغييرات ساخنة ومتسارعة”.
فكان أن أنهالت مجموعة داخلية في إثيوبيا أنتقادا لخط الجبهة بالتواصل مع الحكومة الإريترية، متهمين أياها بأنها تعمل لزعزعة إثيوبيا، ولكن الجميع تناسى أن للسياسة مصالحها وملاعبها الخاصة وقد تنقلب راسا علي عقب، في ظل تداخل المصالح من وقت لأخر، فصديق إثيوبيا الأمس بات يبحث اليوم لصديق أخر كان في خلاف كبير معه وصل للحرب، لتغير الموقف بصورة دراماتيكية جديدة في المنطقة التي عرفت بتسارع الأحداث والولاءات.
والسؤال هنا – هل ستعود علاقة الجبهتان “التيغراي والاريتري” مرة أخري بقوة كما كان سابقا قبل الخلافات أم هي موجة علاقات عابرة؟
سنواصل
كاتب وصحفي سياسي أثيوبي (*)