
وجد آلاف الأطفال المشردين في العاصمة الخرطوم أنفسهم بلا ديار أو مأوى، مع اسمرار الحرب، مما أدى إلى نزوحهم بحثاً عن ملجأ آمن في الولايات التي لم تطلها المعارك والاشتباكات المسلحة.
ويعيش الكثيرين أوضاعاً صعبة وقاسية، إذ ينتشر مئات المشردين بصورة رئيسة في تقاطعات الطرق وتجمعات المواصلات، يتقاسمون أماكن لا تتجاوز مساحة الفراش تحت ظلال الأشجار ومداخل دور العبادة، ويواجهون قسوة التقلبات المناخية من دون سقف أو مأوى.
أوضاع مأساوية
تقدر وزارة التنمية الاجتماعية في السودان عدد الأطفال المشردين بنحو 19 ألفاً، في حين تشير إحصاءات مستقلة إلى أن العدد تجاوز الـ40 ألفاً.
وحذرت منظمات وجمعيات تطوعية عدة من خطر وضع الأطفال المشردين في ظل ظروف الحرب، ورصدت حالات وفاة وسط هذه الفئة نتيجة الجوع وسوء التغذية وغياب الرعاية الصحية، فضلاً عن تعرض المئات للأمراض.
وقال وزير الرعاية الاجتماعية في ولاية الخرطوم صديق حسن فريني، إن “التقديرات تشير إلى أن الحرب تسببت في نزوح نحو خمسة ملايين من سكان العاصمة السودانية إلى ولايات البلاد الأخرى، وارتفعت معدلات الفقر إلى 80 في المئة، لافتاً إلى أن النزاع تسبب في تفاقم الوضع الاقتصادي وزيادة مستوى الفقر، مما يضاعف المسؤولية على الحكومة من ناحية اجتماعية”.
ضحايا الصراع المسلح
يعيش الطفل سالم علي (11 سنة) في أحد الشوارع الرئيسة بمدينة كوستي، ويسرد معاناته مع التشرد قائلاً “أتينا إلى هنا وتركنا المأوى في الخرطوم، وخلال عامين تغلبنا على ظروف بالغة التعقيد، لكننا لم نعد نقوى على الصمود.
وأضاف “لم تراع الدولة أو المنظمات الإنسانية الوطنية والدولية وضعنا الاستثنائي وضرورة تخصيص أماكن تتوافر فيها سبل الراحة، علاوة على الرعاية الصحية والغذاء النوعي.
جهود حكومية
يقول الأمين العام للمجلس القومي للطفولة في السودان عبدالقادر الأمين أبَّو، إن “هناك معاناة متفاقمة للأطفال في مناطق عدة شرق البلاد نتيجة الجوع وسوء التغذية بخاصة وسط الأطفال النازحين، فضلاً عن أطفال المجتمع المحلي الهش والضعيف الذين قاسموهم النزر اليسير المتوافر من المقدرات والموارد المحلية الشحيحة.
ولفت إلى أن “المجلس يعمل مع الوزارات المعنية لتفعيل الحماية الاجتماعية للأطفال والملاذ الآمن، وكذلك توفير قاعدة بيانات تشمل الإحصاءات للمساعدة وتقديم الخدمات، علاوة على وجود خطة لتأمين الأمن الغذائي للأطفال في المناطق المتضررة من الحرب، ومساعدة اليافعين الذين نزحوا من الخرطوم ومدينة ود مدني.
وتابع : يشمل العمل أيضاً الأطفال فاقدي الرعاية، بالتعاون مع شركاء محليين ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف” ومنظمات أخرى لإخراج الأطفال من المراكز التي تستضيفهم كأسر بديلة، ونقلهم إلى أسر آمنة.
تقصير جماعي
اعتبرت الباحثة الاجتماعية فاطمة آدم أن “ظروف الحرب في الخرطوم دفعت الأطفال المشردين إلى النزوح للمدن الآمنة، إذ يعيشون أوضاعاً إنسانية قاسية من دون مأوى، يفترشون أغطية مهترئة على جوانب الأرصفة وأمام مداخل المحال التجارية والمساجد، بخلاف الآلاف الموجودين في تلك المناطق”.
وأضافت أن “هناك تقصيراً جماعياً بحق هؤلاء الذين ألقت بهم الظروف الصعبة في شوارع المدن، على رغم أوضاعهم الخاصة والاستثنائية، خصوصاً ذوي الاحتياجات الخاصة التي تشمل الحركية والسمعية والبصرية والذهنية”.
وأشارت آدم إلى أن “الحرب أسهمت في تزايد معدلات الأطفال المشردين بخاصة بعد فقدان يافعين كثر الآباء والأمهات خلال المعارك، بالتالي تمثل الظاهرة مظهراً لخلل اقتصادي واجتماعي وثقافي، لذا فإن البحث عن العلاج لا بد أن يكون أيضاً من خلال معالجات ومداخل اجتماعية مع ضرورة تحمل الدولة لكامل مسؤولياتها في كلتا الحالين، ناهيك بأن أهم المشكلات التي تواجه الذين يعيشون ويكبرون من هؤلاء الأطفال المساكين هو نبذهم من قبل المجتمع والنظرة الدونية.