منوعات

من أدبنا الشعبي السوداني.. من حُجا الرباطاب “شكلة السكر والبن”

مشاوير - د. سلوى المشلي (*)

الحجوة من غرب الجزيرة مُقرات من بلدة الحجيّل، حدثت شكلة ( مشكلة أو مشاجرة) بين السكر والبن و هما في الصينية ( شراب القهوة مهم جدا كمشروب يومي في تلك المناطق) و دار بينهما نقاش في قالب شعري و كان السكر أقوى حجة.

حجتنا الراوية نعمات بابكر أحمد الطيب الرباطابية عن الشكلة قائلة:

قال البن للسكر:” كفى يا دا الحلبي النضام

                    انا الشريفي الجيت من الشام

                    انت قول المقولين قالوا مخلوط عُضام

رد عليه السكر: ” انت متلي يا اب سماً كعب؟ 

                       يا الجابوك لبرش الغضب

                       يا الفي قلاية قلوك و في شرقرق غلوك

                       و من العنقريب قطعوا ليفوك

                       سماحة مجلسك لفلان قال و قال

                       و كترة مجلسك تقول نقال

                        انا كفتيرتي ما سنكير حلب

                       و من أوربا جات مصبوبة صب”

يرد البن قائلاً :

                       ” ختوني فوق جمراً لهب

                       و هبوني لما افور قلب”

ويرد السكر قائلاً؛

                       ” انا الشاي البهيل قط ما بخلي

                       و بمنديل حرير نشف كبابي

                        جاب تربيزة فوق الناس معلي

                        كبايتين دوا للقلبو موجعو و راسو رامي”

و يرد البن: ” انا صينية الرخام جابوها لي

                        و بنوتاً ظراف اتونسن بي”

ويرد السكر قائلاً؛

                      ” انا الشاي البهيل قط ما بخلي

                     و بمنديل حرير نشف كبابي

                    جاب تربيزة فوق الناس معلي

                     كبايتين دوا للقلبو موجعو وراسو رامي”

شرح الشكلة:

قال البن للسكر:” كفى يا دا الحلبي النضام”، كلمة ( حلبي ) كلمة متداولة في كثير من اجزاء السودان للسوداني ابيض اللون، و ارتبطت بالإساءة له إذ اقترنت ببعض الفئات التي تعمل في مجال السمكرة و الشحدة.

فاللبن يقول للسكر( يا دا) كلمة نداء عندهم، الحلبي (النضَام) صيغة مبالغة من( النضِم) وهو كثرة الكلام.

ويستمر: “انا الشريفي الجيت من الشام”

ان البن من الاشراف (جيت) أتيت او قدمت من بلاد الشام.

ويستمر: “انت قول المقولين قالوا مخلوط عُضام”

ان البعض يقول عنه أي السكر مخلوط اي خلط بالعضام ( العظام) اكيد المطحونة .

وكان السكر لسانه حادا و حجته قوية فرد عليه:

                  ” انت متلي يا اب سماً كعب؟ “

هل ان مثلي (متلي) ان لك سم كعب ( شي سيء) لعل سواد لونه مثل لون السم ( سم الفار و سم صبغة الحجر و..)

وبستمر: “يا الجابوك لبرش الغضب”

الجابوك ( احضرت القهوة) لبرش الغضب هو فراش بيت البكا ( العزاء على الميت ) إذ تقدم القهوة للمعزيين.

                “يا الفي قلاية قلوك و في شرقرق غلوك”

فيوصف عمل البن او القهوة بأنه يُقلى ( يحمص) في القلاية (مقلاة بلدية من الامونيا او التوتيا يصنعها الحلب في سوق السمكرجية) و يغلي في شرقرق ( أداة محلية لغلي البن دائرية الشكل و لها يد، ولها مقدمة كمنقار الطائر ليسكب بها القهوة).

               ” ومن العنقريب قطعوا ليفوك”

و هنا السكر يقول: ان هذه الليفة التي تغسل بها الجبنة تقطع من حبل نسيج العنقريب.

              ” سماحة مجلسك لفلان قال و قال”

ان مجلس القهوة فيه القوالة اي نقل الكلام من شخص لآخر اي مجلس نميمة.

              ” و كترة مجلسك تقول نقال”

وان مجلس البن الذي يحضره الكثيرين شبية بمجلس (نقولتي) و هو الصرمجي او الجزمجي الذي يرمم الاحذية القديمة و تجده يجلس و حوله مكتظاً بالاحذية التي اصلحها و التي تنتظر اصلاحها.

              ” انا كفتيرتي ما سنكير حلب

              و من أوربا جات مصبوبة صب”

(الكفتيرة) البراد الذي يغلي فيه الشاي و ان (سنكير) اي سمكرته او صناعته ليست محلية من يد السمكرجية الحلب، كفتيرته مستوردة من اوربا.

يرد البن قائلاً :

               ” ختوني فوق جمراً لهب

               و هبوني لما افور قلب”

ان القهوة غلوها فوق جمر ( الفحم النباتي عندما يوقد حتى يصبح مُحمرا) و صار له لهب (تصاعد السنة النار العالية).

وهبوني اي حركت الهبابة (أداة من السعف تضفر دائرية تحرك الهواء باستخدام اليد لتلطيف الجو و لسرعة ايقتد الفحم ) حتى ولع الجمر.

 و يستمر: ” انا صينية الرخام جابوها لي

                 و بنوتاً ظراف اتونسا ًبي”

في نهاية القرن الماضي كان توجد جبنات( جمع جبنة) مصنعة من الصيني و يتبعها صينية ربما عليها نقش صورة روميو وجولييت، وبذا جبنة الصيني تجلس على صينية أسماها الرخام.

وان البنوت( جمع بنت) و يقصد بها الصبايا يجلسن في مجلس الجبنة و يتونسن.

ويرد السكر قائلاً؛

               ” انا الشاي البهيل قط ما بخلي

                و بمنديل حرير نشف كبابي

                جاب تربيزة فوق الناس معلي

                كبايتين دوا للقلبو موجعو وراسو رامي”

يجزم السكر ان لن يتخلي( يخلي ) الشاي البهيل ( الشاي الذي يباع بالوزن و ليس الموجود في صناديق محدد وزن التعبئة)، وان الشاي تجفف ( تنشف) كبابيه اي الكبابذ جمع كوب بمنديل مصنوع من الحرير، و ويوضع في تربيزة عالية، و كبايتين من هذا الشاي تعتبر دواء ( دوا ) لموجوع القلب، و للراسه رامي( المتقريف او المدمن على شرابه عندما يأتي موعده اليومي).

ربما تأثرا السكر او البن باهل المنطقة إذ لهم قوة لسان وحجة ولا يخشون لومة لائم طالما يشعرون بأنهم لهم حق، و حاضري البديهة و الذكاء.

 

“مقالات من تراثنا الشعبي السوداني”، (كتاب غير منشور)، لسلوى عبد المجيد احمد المشلي 2024 (*)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى