ليبيا : بين فخ الحكومات الأحادية ومناورات التآمر السياسي: هل تنجح خارطة الطريق الجديدة؟
تقرير - رشا رمزي

في توقيت بالغ الحساسية، أثار تقرير نشرته قناة “العربية” السعودية موجة من القلق في الأوساط الليبية بشأن احتمال تشكيل حكومة جديدة بشكل أحادي، ما يُنذر بتعميق الأزمة السياسية التي تعصف بالبلاد منذ أكثر من عقد. التحركات، التي تجري خلف الكواليس تحت غطاء مجلسي النواب والدولة، تأتي في ظل غياب توافق داخلي واضح، ورفض أممي قاطع لأي خطوات منفردة قد تُعيد ليبيا إلى مربع الانقسام والاحتراب السياسي.
حكومة جديدة… ولكن بأي ثمن؟
تقرير “العربية” أشار إلى أن هناك محاولات جارية لتشكيل حكومة بديلة لحكومة الوحدة الوطنية الحالية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وهو ما فُسّر على نطاق واسع كمحاولة للقفز على الواقع القائم في طرابلس دون ضمانات سياسية أو شعبية أو دولية. الدبيبة، الذي لا يزال يملك زمام النفوذ في العاصمة ويحظى بدعم أبرز التشكيلات المسلحة، يرفض تسليم السلطة دون وجود مسار انتخابي واضح يحترم مخرجات صندوق الاقتراع، لا التفاهمات المغلقة أو التسويات النخبوية.
البعثة الأممية: لا شرعية بلا توافق
في موقف واضح، جددت بعثة الأمم المتحدة رفضها لأي محاولة لتشكيل حكومة جديدة خارج إطار التوافق الوطني، مؤكدة أن الأولوية يجب أن تُعطى لاستكمال العملية الانتخابية، باعتبارها السبيل الوحيد لترسيخ الحكم الديمقراطي وإنهاء المراحل الانتقالية. ويُنتظر أن تكشف المبعوثة الأممية، هانا تيته، في أغسطس المقبل، عن خارطة طريق جديدة لإنهاء حالة الجمود السياسي، وسط آمال أن تحظى هذه الخطة بدعم إقليمي ودولي يضمن تنفيذها.
بين التآمر والصمود: خطاب يائس أم تحذير جاد؟
في خضم هذه التجاذبات، جاء منشور القيادي الليبي محمد بن صالح على فيسبوك ليعكس أجواء التوجس المتزايدة داخل المعسكر الداعم للدبيبة. فقد كتب قائلًا:
“عبدالحميد الدبيبة وأحمد الشرع، الله يكون في عونكما، فالتآمر ضدكما شغّال على عدة جبهات، ومدعوم من عدة دول، وحتى من كانوا أعداء بعضهم البعض اجتمعوا اليوم في صف واحد ضدكما.”
كلمات بن صالح تكشف عن قناعة لدى البعض بوجود تنسيق إقليمي ودولي لإقصاء الحكومة الحالية، حتى لو استلزم الأمر تحالفات ظرفية بين خصوم الأمس. كما تشير إلى شعور متزايد بأن الوطنية في ليبيا باتت على المحك، وأن الصراع الدائر لا يقتصر على النفوذ السياسي، بل يتعداه إلى معركة قيم وهوية.
الرهان على الشرعية… أم على القوة؟
المراقبون يحذرون من أن تشكيل حكومة بديلة دون توافق حقيقي قد يشعل فتيل صراع جديد، خاصة أن الخريطة الليبية لا تزال شديدة التعقيد من حيث النفوذ العسكري والتحالفات الجهوية. فالدبيبة، رغم الانتقادات التي تواجهه، لا يزال يملك شرعية مستمدة من اتفاق جنيف ودعم دولي ضمني، بينما لا يبدو أن القوى الدافعة لحكومة بديلة قادرة على حشد توافق فعلي أو ضمان انتقال سلمي للسلطة.
يبدو أن ليبيا تقف على حافة مفترق طرق جديد، حيث تتصارع إرادتان: واحدة تدفع نحو بناء توافق حقيقي ينهي سنوات الانتقال المرتبك، وأخرى تحاول فرض واقع سياسي جديد عبر خطوات منفردة. وفي هذا السياق، تبقى خارطة الطريق الأممية المرتقبة في أغسطس بمثابة الفرصة الأخيرة لإنقاذ البلاد من الدخول في دورة جديدة من الفوضى، وسط تآكل الثقة وازدياد منسوب الإحباط الشعبي. فهل تنجح الوساطة الأممية في إعادة الجميع إلى طاولة التفاوض؟ أم أن الطريق إلى الانتخابات لا يزال محفوفًا بالألغام.