
الخرطوم، 21 يوليو 2025، (مركز الألق للخدمات الصحفية) / حنان الطيب : فقدت سارة (14 سنة ) ساقيها تحت ركام منزلها الذي دمره القصف الجوي في سياق الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع. نزحت بلا سيقان وسكنت مراكز إيواء غير مهيّأة، وأغلقت المدارس أبوابها في وجهها، ليس لأنها عاجزة، بل لأن النظام السائد لم يعترف بوجودها. حاولت أسرتها مساعدتها على التأقلم، لكن مركز الإيواء لا يحتوي على حمّام مجهز، ولا طريق ممهّد لعكازها، ولا موظف يفهم لغة العيون التي أصبحت وسيلتها الوحيدة لطلب المساعدة دون صراخ. قالت: “منذ يوم الإصابة، لم أنم على سرير، ولم أعد طالبة، ولم أعد ألعب”.
أما عمر، فيعيش كفيفا منذ طفولته. لم تُصب الحرب جسده، لكنها دمّرت شبكة الأمان التي اعتمد عليها لسنوات، أشقاؤه، جيرانه، والمسجد الذي كان يرتاده للصلاة. بعد النزوح، وجد نفسه في خيمة بلا مرافق، بلا كتب صوتية، ولا حتى صوت يقرأ له ما يدور في العالم. غابت نشرات الأخبار، وكأن العالم قرر أن يصمت معه.
في بعض مراكز الإيواء، يُجبر النازحون من ذوي الإعاقة على تقاسم كرسي متحرك واحد، بينما يتنقّل آخرون باستخدام أعواد المكانس أو قطع خشب بدائية. مشاهد تكشف أنهم خارج أولويات الاستجابة الإنسانية، وكأن الجسد المختلف لا يستحق حتى أبسط أدوات الكرامة الإنسانية.
بين قصتا سارة وعمر، تتشابك خيوط القسوة المؤسسية مع التمييز الاجتماعي. فكلاهما أصبح رهينة لنظام لا يعترف باحتياجاتهم، ولا يقدّم ما يكفي من رعاية أو تأهيل.
وسط هذه الحكايات يغيب الاعتراف الرسمي، كما تغيب السياسات والقوانين المحلية، والاتفاقيات الدولية التي تكفل حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وكذلك خطط الطوارئ الإنسانية.
في ظل غياب الدعم النفسي والمجتمعي والتأهيلي، يتحوّل الأشخاص ذوو الإعاقة إلى رمز حي لكيفية قتل الكرامة بهدوء.
في رماد الحرب المتصاعدة في السودان، تُروى العديد من القصص المؤلمة التي تعكس حجم المأساة التي يعيشها ذوو الإعاقة وسط النزاع الدامي. المعاناة هنا تقترن بفقدان الأمل وغياب الدعم.
ألم يمشي على عكاز
“أين ساقاي يا أمي”؟ استفاق يوسف (8 أعوام) من غيبوبة قصيرة داخل إحدى غرف مستشفى النو بأم درمان، وهمس متسائلا: “وين ساقي”؟ لم تجد والدته كلمات تُسعفه بها سوى دموعها. كانت قذيفة قد سقطت بينما كان يلهو يوسف مع شقيقته أمام المنزل. نجا يوسف بأطراف مبتورة، لكن شقيقته ودّعته إلى الأبد.
اليوم، يعيش يوسف في مأوى مؤقت يفتقر إلى الكهرباء والدواء، يحمل جسده ندوب الحرب، ولا يعرف من طفولته سوى الألم المبكر، وحلم لا يزال مؤجل في العودة إلى الحياة بجهازين تعويضيّين.
في أروقة الألم والصمود، تتردد شهادات حية من رحلة النزوح والمعاناة. وفي قلب الأزمة التي تعصف بالبلاد، ترتفع أصوات لا تصل إلى منصات الإعلام الكبرى، لكنها تحمل في طياتها وجعا لا تضاهيه الكلمات.
في أحد أركان اتحاد المعاقين بولاية مهر النيل، يروي متوكل عطا الحاج، أحد النازحين من منطقة شرق النيل، حكايته التي تختزل مأساة الحرب والنزوح والإعاقة في مشهد واحد، يقول: “لم يكن أمامي خيار.
نزحت مع أسرتي إلى ولاية نهر النيل بحثا عن الأمان، لكن الواقع كان أكثر قسوة مما توقعت. لا خدمات، ولا جهة مسؤولة تهتم بذوي الإعاقة في رحلة النزوح.
اضطررت لمغادرة المنطقة الجبلية الوعرة بحثا عن بيئة أكثر ملاءمة، لكني اصطدمت بقلة فرص العمل وضيق الحال، فازدادت الحياة قسوة فوق قسوتها”.
رفعوني كقطعة أثاث
خالد محمد خير عثمان، إعلامي سابق وصاحب مكتب عقارات بمنطقة بحري، وجد نفسه فجأة وسط معركة لا ترحم. يقول: “النزوح لم يكن خيارا، بل قدرا مفروضا علينا.. السفر تحول إلى عبء يزيد من معاناتي الجسدية والنفسية”.
ويقول عن رحلته: “نزحت مرتين، الأولى إلى الولاية الشمالية، والثانية إلى ولاية نهر النيل.. سافرت في عربة (دفار) وفوقها سيارة أخرى، رفعوني وكأنني قطعة أثاث. الألم لم يكن جسديا ونفسيا فحسب، بل كان مهينا”.
يواصل قائلا: “على الطريق، واجهت نقاط تفتيش أمنية كانت أكثر قسوة، لم يكن لمفهوم الإعاقة مكان في وعي الجنود؛ ينظرون إليّ بريبة، كأنني متهم.. جسدي كان يُعامَل كعلامة خطر، لم يسألني أحد: هل تحتاج مساعدة! بل كانوا يسألون: ما علاقتك بالأطراف المتحاربة”؟
ويضيف، عند وصولي إلى ولاية نهر النيل، لم تنتهِ المعاناة؛ فلا آليات خاصة لإجلاء ذوي الإعاقة، ولا مبادرات لتوفير فرص عمل تليق بظروفنا. أقيم حاليا في مقر اتحاد المعاقين، واتلقى مساعدات محدودة من الهلال الأحمر وبعض المنظمات الخيرية، لكنها بالكاد تكفي لسد رمق المحتاجين.
“كثيرون ينامون على الأرض ويلتحفون السماء، تنهشهم الأمراض دون أدنى فرصة للعلاج.. إلى متى سيظل ذوو الإعاقة يدفعون الثمن مضاعفا في كل أزمة”؟
دون وجهة وفاجعة في الطريق
أما عمر حسن، يروي بصوت يملؤه الأسى تفاصيل رحلته القسرية من ولاية الخرطوم إلى مدينة سنجة في ولاية سنار، هربا من القصف العنيف.
يقول: ” بعد دخول قوات الدعم السريع إلى سنجة، اضطررت وعائلتي إلى النزوح مجددا، هذه المرة دون وجهة واضحة، وسط حالة من الذعر والتشتت.. قطعنا مسافات طويلة سيرا على الأقدام مع أطفالي الخمسة، وازداد الألم بفعل معاناة طفلي، ذو الثماني سنوات، من ذوي الإعاقة الذهنية، استغرقت الرحلة ساعات طوال وسط صراخ الأطفال، دوي القصف، وغياب الطعام والماء.
وتابع: في إحدى القرى، وجدنا عربة (كارو) تنقلنا، لكن، لم يحتمل طفلي المعاق تلك المعاناة ليفقد حياته خلال هذه الرحلة الشاقة”. فما واجهوه يعكس غياب الخطط الطارئة التي تضع احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة ضمن أولوياتها خلال الكوارث والحروب، بل وحتى قبل اندلاع الحرب.
فصول مأساوية
يحكي واقع الأطفال المصابين بطيف التوحد في السودان فصولا من الرعب والحرمان والفقد، تروي راحيلة والدة الطفل (ح. م) تفاصيل رحلة بدأت بالأمل وانتهت بمأساة. بعد أعوامٍ في المملكة العربية السعودية، عادت الأسرة إلى السودان تطمح للاستقرار، فالتحق ابنها بمركز (الإكليل للتربية الفكرية بأم درمان)، وهناك بدأت تباشير الاندماج والتقدم. لكن الحرب باغتتهم، فقلبت الحلم إلى محنة.
قالت: لم يكن (ح. م) يدرك مغزى المعابر ونقاط التفتيش. كان يصرخ داخل السيارة، يرفض الطعام والنوم، ويمتنع عن دخول الحمام في منازل الأقارب.
تصرفاته كانت انعكاسا لمعاناة داخلية لا تُرى بالعين المجرّدة. ولم تتوقف المأساة عند النزوح؛ فقد أُنهك جسده الهشّ بحمى حادة لم تفلح محاولات الأطباء في مدينة شندي بعلاجها. نُقل لاحقا إلى مروي، حيث تبيّن وجود سوائل في الدماغ تطلبت تدخلا جراحيا.
ورغم الجهود، تواصل الألم حتى فارق الحياة بعد عامٍ من الوجع المستمر. قالت راحيلة: “رحيله جسّد الحقيقة القاسية التي يعيشها الأطفال ذوو الإعاقة في ظل النزوح والحرب.. قصته مثلت نداء عاجلا للالتفات إلى هذه الفئة المهمّشة، وضمان حقها في العيش بأمان وكرامة”.
قلب موازين وواقع لا يحتمل.
أما رحلة والدة الطفلة (م. ن. ع) مع ابنتها كانت شاهدا آخر على التحديات التي تواجه الأطفال ذوي طيف التوحد أثناء النزوح. قالت: “الحرب أجبرتنا على مغادرة حي العمدة بأم درمان إلى أحياء الثورات القريبة، ثم خضنا رحلة شاقة إلى شندي، القضارف، بورتسودان، كسلا، ثم العاصمة الإريترية أسمرا، في سبيل الحصول على جوازات للسفر.
تعاني طفلتي من توحد شديد وإعاقة ذهنية خفيفة، وتحتاج إلى رعاية خاصة.. كانت كثيرا ما تبكي وتصرخ مرددة “أرح البيت”، وتنادي أسماء أقاربها، في محاولة للتمسك بما تبقى من الأمان.
كثيرون استنكروا سلوكها، مما اضطرني إلى شرح حالتها والاعتذار مرارا”.
وتقول الأم، مع الوصول إلى المملكة العربية السعودية، واجهت الأسرة مرحلة أخرى من التحديات، غياب الإقامة القانونية حال دون دمج الطفلة في أي مؤسسة تعليمية، كما واجه والدها صعوبات في إيجاد عمل ثابت، مما زاد من عبء التكيف. وتحوّل حلم الاستقرار إلى معركة يومية تتطلب دعما ومساندة حقيقية.
مأساة على الطريق
بحسب رواية شاهد عيان، في الطريقٍ بين بورتسودان وعطبرة، وقع حادث مروري مأساوي فقد فيه طفل التوحد (م. ل. م 10 أعوام) والديه. نجا وحيدا، وعثرت عليه شرطة أمن الطرق، لكنه قضى أياما في المستشفى دون قدرة على التواصل. بعد انتظار طويل، تسلّمه أقاربه في عطبرة، إلا أن رعايته شكّلت تحديا، فتناقلته الأسر إلى أن تدخّل أهل الخير وساعدوا في نقله إلى مصر تحت رعاية خالته، الأخت الوحيدة لأمه، طالبة جامعية هناك.
نزوح متكرر ومعاناة لا تنتهي
أما زحل محمد حسين، المصابة بإعاقة حركية، تروي قصتها وفرارها من الخرطوم مستخدمة (الركشة) للوصول إلى كوبري سوبا شرق النيل، ثم استقلت حافلة إلى ولاية الجزيرة، متجاهلة آلام الانزلاق الغضروفي، حاملة عصا وطرفا صناعيا، وسط حشود من الفارين.
وبعد رحلة استغرقت “13” ساعة من الإرهاق، وانتهت في قرية بالقرب من مدينة الحصاحيصا، حيث مكثت لشهرين، أصيبت خلالها بمياه سوداء في العين نتيجة ارتفاع الضغط.
مراكز خاصة بالمعاقين ولكن
في ولاية كسلا، وفّر اتحاد الإعاقة الحركية وجمعية المرأة المعاقة مركزا للنازحين من ذوي الإعاقة، لكنه افتقر إلى أدنى مقومات الحياة.
تقول زحل إن المسافة بين الفصول والحمامات تجاوزت “500” متر، الأمر الذي أرهقها بفعل الطرف الصناعي، وتسبب لها في تقرحات وآلام بالكاحل. الأرض كانت فراشي، والماء شحيح، والمساعدة شبه منعدمة.
تُؤكد زحل أن حالتها الصحية والنفسية تدهورت بسبب غياب معينات الحركة، كالعصي والكراسي المتحركة والسماعات، فضلا عن نقص العلاج للأمراض المزمنة فأنهت حالة النزوح وبدأت اللجوء.
المعاناة مستمرة
قالت زحل: حين لجأت إلى معسكر اللاجئين في أوغندا، لم تتحسّن حياتي كما كنت أتمنى. وجدت نفسي أعيش تحت المشمعات، بلا أدنى مقومات الاستقرار، بينما تُحتكر المساعدات لفئة دون غيرها. الطبيعة الجبلية المحيطة والأمطار الغزيرة، جعلت الحركة شبه مستحيلة”.
في شهادات مؤلمة، عبّر عدد من الأشخاص ذوي الإعاقة عن شعورهم بالتجاهل الكامل من قبل الجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية، في ظل نزاعات محتدمة بمدينة الخرطوم والولايات الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع.
في ولاية الجزيرة، اضطر كثيرون من الأشخاص ذوي الإعاقة إلى النزوح عبر شاحنات مفتوحة ومركبات بضائع غير ملائمة لوضعهم الصحي. وسط هذه الأوضاع القاسية، يشعرون بأنهم أصبحوا “نَسْيا مَنْسِيّا”، مشيرين إلى أن الحرب لم تكن فقط ساحة للموت، بل أيضا مسرحا للتمييز والإقصاء، حيث يواجه ذوو الإعاقة أعباء مضاعفة وتجاهلا مريعا.
صرخة في وجه الموت
في الفاشر بغرب البلاد، أطلقت مبادرة (ممرات آمنة ودور صديقة) نداء إنسانيا عاجلا لإنقاذ ذوي الإعاقة من دوامة الحرب المستعرة، حيث تلتهم النيران الأرواح، خصوصا بين الفئات الأكثر هشاشة من الأطفال والنساء الذين تقطعت بهم السبل وعجزوا عن الفرار.
وصفت المبادرة الوضع في الفاشر بأنه “كارثي”.
مشيرة إلى أطفال مشلولين غير قادرين على الحركة، ونساء كفيفات تائهات بين رصاص الشوارع، وأشخاص مصابون بإعاقات حركية عالقون تحت الأنقاض بلا دواء أو رعاية. طالبت المبادرة بإخلاء فوري لهؤلاء إلى مناطق آمنة، وتوفير مساعدات طبية ونفسية عاجلة، إلى جانب تأمين مأوى يضمن الحد الأدنى من الكرامة الإنسانية.
أرقام لا تعكس الواقع
من جانبها أشارت الدكتورة فاطمة محمد عثمان مكي، اختصاصية الصحة النفسية ومديرة (مركز الإكليل للتدريب النفسي وبناء القدرات) في أم درمان، إلى أن آخر تعداد سكاني شامل أُجري في السودان عام 2008، كشف أن عدد السكان كان حوالي 37 مليون نسمة قبل انفصال الجنوب، وأن نسبة ذوي الإعاقة بلغت (5%) من إجمالي السكان. إلا أنها أكدت أن هذه النسبة لا تمثل الواقع الحقيقي لهذه الفئة، في ظل غياب التحديث الدوري للإحصاءات وتفاقم الأوضاع.
وقالت أن تقريرا صادرا عن منظمة اليونيسف أكد أن نسبة الأطفال ذوي الإعاقة بلغت أكثر من (15%) من إجمالي عدد السكان، وقد قُدِّر عدد الأطفال في عام 2016، بما لا يقل عن مليون طفل يعانون من إعاقات مختلفة.
وأشارت د. فاطمة إلى أنه قبل اندلاع الحرب، ووفقا لتقديرات الأمم المتحدة لعام 2023، بلغ عدد سكان السودان أكثر من 45 مليون نسمة، مما يعني أن عدد الأشخاص ذوي الإعاقة يُقدَّر بنحو 7 ملايين، وهي نسبة وصفتها بأنها “مخيفة للغاية”.
تؤكد فاطمة أن أوضاع الأشخاص ذوي الإعاقة ازدادت تعقيدا خلال الحرب الحالية، فهم يتعرضون للقتل والتشريد، إضافة إلى تفاقم حالاتهم الصحية بفعل غياب الخدمات الأساسية حيث أنهم لم يُدرجوا في خطط الإغاثة، بما في ذلك الدواء، وإعادة التأهيل، والتعليم، وصعوبة الوصول إلى المساعدات الإنسانية، إلى جانب الإهمال وسوء المعاملة ما يجعلهم من أكثر الفئات هشاشة وتضررا.
ويشدد مركز الإكليل على أن الأطفال المعاقين كانوا الأكثر عرضة للأوبئة التي اجتاحت مناطق النزوح، ما تسبب في ارتفاع الوفيات وتدهور صحتهم بشكل حاد.
مبادرة (ممرات آمنة) صرخة من الداخل
من جانبها، تحدثت منى قاسم عن مبادرة (ممرات آمنة)، مؤكدة أنها جاءت من داخل المجتمعات المتضررة، نتيجة غياب أي استجابة رسمية لاحتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة في الحرب. وهؤلاء لا يملكون القدرة على النجاة بمفردهم بسبب المعوقات الحركية، وانعدام الوسائل المتاحة لهم.
وقالت إن بعض المعاقين لم يتمكنوا من المغادرة أثناء النزاع، بل تم استهداف بعضهم بتهم التعاون مع الجيش، وتم اعتبارهم عبئا على المجتمع، ما يزيد من خطورة أوضاعهم.
وذكرت أن المبادرة انطلقت بجهود ذاتية من المعاقين أنفسهم، ونجحت في جمع التبرعات المالية لاستئجار حافلات لنقل الأسر إلى مدينة ود مدني. تم إجلاء 13 أسرة، حيث شمل النقل الجماعي والفردي بحسب طبيعة الإعاقة، كما تم تحويل الأموال لحالات معزولة لمساعدتهم على الوصول إلى معسكرات الإيواء.
تنمر وتحرش وانتهاكات
وأكدت قاسم أن المعاقين يتعرضون إلى التنمر والتحرش، مما يستدعي إجراءات صارمة لحمايتهم. وتابعت: رغم التعاون بين بعض المبادرات والمنظمات لتوفير احتياجات خاصة، يبقى تنفيذ المادة (11) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة محل تساؤول، إذ تنص على ضرورة ضمان سلامتهم أثناء النزاعات المسلحة، وهو ما لم يُطبق بالشكل المطلوب حتى الآن.
من ناحيته ناشد الناشط الحقوقي، محمد الفاضل عبدالحفيظ، الجهات الرسمية والمنظمات الإنسانية ضرورة الالتفات إلى حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولفت إلى أن الكثيرين لم يتمكنوا من مغادرة مناطق النزاع أو الوصول إلى الخدمات الأساسية، مما عرّضهم لانتهاكات ومخاطر جسيمة، خاصة في مناطق الحروب كدارفور، الجزيرة، ولم تلقَ معاناتهم اهتماما كافيا من الدولة أو المنظمات الإنسانية.
وأكد الفاضل أن أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة تفوق الأرقام الرسمية، فبعض التقديرات تُشير إلى أكثر من 1.4 مليون شخص، وهي أرقام غالبا أقل من الواقع في ظل غياب إحصاءات دقيقة. وشدد على ضرورة تبني خطط عاجلة لضمان وصولهم للخدمات الأساسية، ونقلهم إلى أماكن آمنة.
موجة بتر متصاعدة
فيما كشفت الدكتورة أصالة صلاح أن مستشفى النو بأم درمان يستقبل ما بين 3 إلى 6 حالات بتر يوميا، في ظل قصف لا يفرق بين المدنيين من أطفال، نساء ورجال. وتُظهر هذه الأرقام المفزعة حجم الكارثة الإنسانية، التي تُضاعف أعداد المصابين بإعاقات دائمة.
وقالت أصالة إن المأساة لا تقف عند الإصابات الجسدية، بل تمتد إلى غياب التأهيل والرعاية الصحية، مما يُعرض المصابين الجدد لمضاعفات خطيرة، ويزج بهم في واقع مأساوي غير متوقّع.
مناشدة للمجتمع الدولي وأرقام مرعبة
في ظل تفاقم الأوضاع، تطلب الحالات ضرورة تقديم دعم طبي عاجل يشمل العلاجات والأجهزة التعويضية، وإطلاق برامج لإعادة التأهيل والدمج. وتظل المناشدة بوقف الاستهداف العشوائي للمدنيين لحماية الأرواح وتقليل حالات الإعاقة الجديدة مناشدات أخلاقية عادلة.
وأكدت المصادر الطبية أن مراكز الإيواء تعاني من الاكتظاظ الشديد، خاصة بأطفال ذوي الإعاقة الذين أُصيبوا بأمراض نتيجة النزوح وغياب الرعاية الصحية. هؤلاء الأطفال يعيشون في ظروف لا تُلبّي أدنى متطلبات الحياة الكريمة.
ووفقا للمصادر، منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، سجل مركز دنقلا أكثر من 500 حالة بتر، ويستقبل 80 في المئة من الحالات القادمة من أنحاء البلاد، بعدما توقفت المراكز الأخرى عن العمل. عدد الحالات ارتفع من 30 شهريا إلى ما بين 150 و180 حالة، ما يُظهر تصاعدا خطيرا في الإصابات.
وتشير التقارير إلى وجود 46 ألف حالة سكري في الولاية الشمالية، منهم 14 ألفا راجعوا المركز، ما يُضيف خطرا غير مرتبط بالحرب على احتمالات البتر.
توقف مراكز الأطراف الصناعية
وأشارت المصادر الطبية إلى توقف مراكز تصنيع الأطراف الصناعي نتيجة لإغلاق مخازن الصليب الأحمر في بحري، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، مثل “النوكرين اللاصقة”، من 100 جنيه إلى 3000، في ظل غياب إحصاءات رسمية، بينما تُقدّر أعداد المدنيين والعسكريين الذين تعرّضوا للبتر بالآلاف.
من جانبه قال د. عبد القادر أبو، الأمين العام للمجلس القومي لرعاية الطفولة، إن أكثر من 10 آلاف طفل فقدوا أعضاء حيوية بسبب المقذوفات، في كارثة إنسانية تُظهر مدى الفتك بالأطفال في مناطق النزاع.
غياب إعادة التأهيل
في حديث خاص، قال طبيب عظام، فضل عدم الكشف عن اسمه: نجري عمليات البتر لإنقاذ الأرواح، لكننا نفتقر لأدوات إعادة التأهيل، كأننا نُلقيهم في البحر ونطلب منهم السباحة”.
الواقع يكشف غياب مراكز التأهيل، وانعدام البرامج النفسية، بل وغياب قاعدة بيانات تُوثّق حجم الكارثة. فغالبية المصابين يُغادرون المستشفيات بلا خطة لإعادة إدماجهم في المجتمع.
ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء فيه هذه المادة من إعداد (مركز الألق للخدمات الصحفية) لتسليط الضوء على فئة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين، وما يواجهونه من فقدان الخدمات الأساسية وغياب الرعاية الصحية والنفسية إلى درجة فقدان حياة البعض، بينهم أطفال، وتعرضهم للانتهاكات في ظل الحرب التي تفرض المزيد من برامج الرعاية الخاصة.