مقالات

“عمسيب” … حلاّق اللغة في حارة لا تتكلم!

عبد الجليل سليمان 

يتكلّم طويلاً ويثرثر كثيراً، لكنّه لا يجد وقتاً للكتابة الاّ لِماماً وبما يتيح له توقيع اسمه على (مانيفستو النهر)، ولا يقرأ إلا ما يتقاطع مع نرجسيته كأنما كُتب له وحده. 

حين يسخر من أسماء السودانيين (الآخرين)، يفعل ذلك كأن اسمه لا يبدأ بعينٍ غليظة وينتهي بباء باهتة، متناسياً أن (عمسيب) يبدو كاسم اختلقته عجوز سواكنية لتلعنه لا لتباركه.

حفيد عمّ النبي

لا يخبرنا (النهري) عن رؤيته، بل عن نسبه وكأنه يريد أن يموه الناس بأنّه لا يعاني عقدة نقص تجاه العروبة، بل ما يفعله محض تململ من من فائض الانتساب إليها؛ فهو لا ينتمي للعرب فحسب، بل لشجرة العائلة التي كانت تقف خلف العباس بينما النبي يمشي بين الناس بشيراً ونذيراً. لذلك – لو لاحظتم- كلما اقتربت الكاميرا من وجنتّى (عمسيب) ارتسمت ملامح التاريخ العباسي عليهما، وكلما ابتعدت لاح من ورائه جبل أولياء ينظر شزراً.

نُدَب على الحروف

عمسيب لا يسكن في بيت، بل في استعارة مكنيّة. يحشو حديثه بأشعة من شمس تخصصه، وبأوصاف مطنبة من الأدب القديم. لكنه، حين يُسأل عن رأيه في حادثة مروعة، يقول إنها “تنطوي على دلالات فلكية”، ثم يصمت حتى يحسبه الناس مات، أو توحّد مع الأثير.

خطبة بلا منبر

آراه الآن هنا وهناك، وهو يتقمص العروبة كما يتقمص مسرحي رديء دور (تُماضر الخنساء) وهو يرتدي خفّ شعري اشتراه للتو ب(فلسين) من سوق عكاظ. 

يتحدث عن النهر والبحر كثيراً لكنه لا يجيد السباحة. يكتب قليلاً ويتكلم كثيراً، كأن الأفكار تخيفه إن كتبت و تهادنه إذا نفخ فيها من روحة (الثرثارة) عبر ميكروفون.

رجل يشبه الإيقاف

في ملامحه شبه من بيت شعر قديم لم يُلقَ بعد، وفي كلماته خيط من كناية لا تنتهي. حين يخطب، يتدلى الوقت من فمه كشريط لاصق، وحين يضحك يُخلّف وراءه تراثاً من علامات التعجب.

لا حاجة لتفنيد أفكاره، فهي لا تستقر في مكان. يمدّها كأنها خيمة بدوية ثم ينسى أين أوتادها. 

يسخر من التاريخ، ثم ينسى أنه استعان به في مقدمة هرطقاته المنتحلة من أسفار الرحالة والجغرافيين و( دوسيهات) الإدارة الاستعمارية. 

يدوس على السواد ثم ينحني بإنكسار مُرائي ليجمع ما تناثر من ذاته على حقول الحنطة في وادي النطوف. 

لا يقيم في زمن بعينه، إنما يعلّق نفسه بين عتبة الماضي وظلّ المستقبل ولو سُفِح عليه الدم .

الحاضر عنده خطأ مطبعي لم يتمكن من مراجعة مسوّدته بعد، لأنه يتعامل مع الزمن كعدوّ نحويّ، ومع الواقع كلغة يمكن إعادة كتابتها بالفصحى (العباسية)… أو فالماء هو الماء و(الجروح قصاص).

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى