تقارير

تصدع القرن الإفريقي مجددًا: نزاع إثيوبيا وإريتريا يفتح أبواب الجحيم على السودان ومصر والمنطقة

تقرير - رشا رمزي

في ظل تصاعد التوترات العسكرية والسياسية بين إثيوبيا وإريتريا، تتجه أنظار المراقبين إلى واحدة من أخطر بؤر التوتر المتجددة في القرن الإفريقي، حيث عاد شبح الحرب ليخيّم على المنطقة التي لم تتعافَ بعد من تداعيات صراعاتها الداخلية، وعلى رأسها الحرب السودانية المستمرة.

حشود عسكرية متسارعة، اتهامات متبادلة، وتحالفات غامضة تتشكل في الخفاء. كل ذلك ينذر بصراع جديد، قد لا يكون محصورًا في حدود أسمرا وأديس أبابا، بل يحمل تداعيات كارثية على المنطقة برمتها، بما في ذلك السودان، مصر، والقرن الإفريقي، ويهدد بإعادة رسم موازين القوى الإقليمية.

رئيس الوزراء الأثيوبي والرئيس الاريتري

اتهامات متبادلة وتصعيد غير مسبوق

في نهاية يوليو الماضي، شن الرئيس الإريتري أسياس أفورقي هجومًا علنيًا على رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، متهمًا إياه بـ”إعلان حرب غير معلنة”، في وقت كانت فيه تقارير إعلامية تشير إلى تحركات عسكرية كثيفة على طول الحدود. وجّه أفورقي انتقادات حادة، مؤكدًا أن آبي يسعى لتصدير أزماته الداخلية، في تلميح إلى استخدام الحرب كأداة سياسية.

في المقابل، ردّت الحكومة الإثيوبية عبر رسالة رسمية لواشنطن تتهم فيها إريتريا بـ”احتلال أراضٍ إثيوبية” و”دعم جماعات مسلحة”، في تصعيد خطابي ينذر بتحول التوتر السياسي إلى مواجهة ميدانية.

الخلاف يمتد أيضًا إلى ملف شائك هو الوصول إلى البحر الأحمر، حيث تعتبر إثيوبيا نفسها دولة “محاصرة بريًا”، بينما يرفض أفورقي التنازل عن ميناء “عصب”، ويرى أن آبي أحمد يسعى للهيمنة لا التفاهم.

حشود عسكرية اريترية

تحالفات في الظل: صراع بالوكالة يلوح في الأفق

ما يثير القلق أكثر هو الطابع غير المباشر لهذا التصعيد؛ إذ تُستخدم جماعات المعارضة كأدوات للصراع. أديس أبابا تستضيف حاليًا تجمعات من المعارضة الإريترية المسلحة، أبرزها “لواء ناميدو”، و”التجمع الوطني العفري”، في حين فتحت أسمرا خطوطًا مع قوات “الفانو” الإثيوبية، وتواصلت مع ميليشيات سودانية يُعتقد أنها معارضة لبورتسودان.

في هذا السياق، عقد أفورقي اجتماعًا مثيرًا للجدل مع قيادات مسلحة سودانية، ما يؤشر إلى إعادة تدوير أدوات الصراع في الإقليم، وإمكانية تحويل الخلاف إلى حرب بالوكالة، تُدار من الهامش وتنفجر في قلب الدول الهشة.

معبر القلابات الحدودي بين السودان واثيوبيا

السودان.. أرض المعركة البديلة؟

السودان يبدو كأكبر الخاسرين المحتملين من أي اشتعال جديد على الحدود الإثيوبية-الإريترية. الوزير السابق فيصل محمد صالح، حذّر من أن دخول البلدين في مواجهة مباشرة سيؤدي إلى تورط السودان تلقائيًا، خاصة مع انتشار مقاتلي تيغراي في مناطقه الشرقية، والدعم غير المعلن الذي توفره بورتسودان لهم بدافع معاداة أديس أبابا التي يُعتقد أنها تدعم قوات الدعم السريع.

على الجانب الآخر، تمتلك إريتريا علاقات قوية مع ميليشيات سودانية، دربتها وسلحتها، وقد تستغلها في حال انفجار الصراع، مما ينذر بفتح جبهة جديدة داخل السودان، تزيد من تعقيد أزمته الممتدة منذ 2021.

رئيس الوزراء الأثيوبي والرئيس المصري

مصر.. تحت التهديد الاستراتيجي

من زاوية أخرى، يثير هذا التوتر مخاوف عميقة لدى مصر، التي تتابع بحذر ما يجري بين أديس أبابا وأسمرا، فالتقارب بين البلدين خلال حرب التيجراي مثّل في السابق تهديدًا لمصالح القاهرة، خصوصًا في ملف سد النهضة. واليوم، فإن أي تحالف جديد يُضعف إثيوبيا سيُقرأ في مصر كمكسب استراتيجي، لكنه محفوف بالمخاطر إذا ما أدى إلى فوضى إقليمية تؤثر على أمن البحر الأحمر، وممرات التجارة الحيوية.

كما أن احتمال اندلاع صراع واسع النطاق سيزيد من تعقيد المفاوضات حول سد النهضة، ويمنح أديس أبابا فرصة للهروب من الالتزامات الدولية تحت ذريعة الحرب، وهو ما قد يُجبر مصر على إعادة النظر في خياراتها الجيوسياسية، وربما تعزيز وجودها العسكري أو الاستخباراتي في المنطقة لحماية مصالحها.

سد النهضة الأثيوبي

القرن الإفريقي على حافة الهاوية

إن ما يجري ليس مجرد خلاف ثنائي، بل صراع على النفوذ في إقليم يعاني أصلًا من هشاشة مزمنة. وهو ما يفسّر دخول أطراف إقليمية غير معلنة على الخط، بعضها يسعى للوساطة، وبعضها الآخر يغذي الصراع سراً.

 وما يعكس هذا الصراع؛ كون المنظمات الإقليمية أصبحت ب”لا فاعلية”، وأن الكلمة أصبحت بيد “القوى الدولية المستفيدة من الفوضى”، ما يجعل مستقبل المنطقة مرهونًا بمصالح الخارج لا أولويات الداخل.

وبينما تنشغل الأطراف الكبرى بـ”إدارة الأزمة” بدلًا من “حلها”، يدفع المدنيون الثمن من دمائهم، وأمنهم، ومعاشهم، في مشهد يبدو فيه أن المنطقة تتجه نحو حرب لا يريدها أحد، ولكن لا أحد يمنعها أيضًا.

سد النهضة الأثيوبي

حرب تلوح، وسيناريوهات مفتوحة

في ظل حرب سودانية لم تنتهِ، وتوتر إثيوبي-إريتري يزداد اشتعالًا، ومصالح مصرية على المحك، يبدو أن القرن الإفريقي يتجه نحو مرحلة جديدة من عدم الاستقرار.

فهل تنجح الأطراف الدولية في احتواء الأزمة قبل انفجارها؟

أم أن المنطقة على موعد مع نزاع جديد يعيد خلط الأوراق ويقلب خرائط النفوذ؟

الأسابيع المقبلة وحدها كفيلة بالإجابة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى