تقارير

السودان: بين رفض الوصاية الدولية وتباين مواقف القوى السياسية من مبادرة الرباعية

تقرير - رشا رمزي

دخلت الأزمة السودانية منعطفاً سياسياً جديداً بعد أن أصدرت وزارة الخارجية السودانية بياناً شديد اللهجة يوم الجمعة 12 سبتمبر 2025، رفضت فيه بشكل كامل ما ورد في إعلان وزراء خارجية “الرباعية الدولية” التي تضم الولايات المتحدة والسعودية والإمارات ومصر. البيان الرسمي وصف ما ورد في الوثيقة بأنه “إيحاءات تمس السيادة الوطنية”، مؤكداً أن السودان لن يقبل أن يكون ساحة لتجارب سياسية أو رهينة وصاية خارجية.

النازحين السودانيين

الخارجية السودانية وجّهت انتقادات مباشرة للإمارات، متهمة أبوظبي بأنها طرف غير مؤهل للحديث عن السلام بسبب ما وصفته بـ“التورط في تمويل وتسليح قوات الدعم السريع”، معتبرة أنها شريك في إراقة دماء السودانيين. كما طالبت واشنطن بالتعامل بجدية مع قضية تدفق الأسلحة عبر حلفائها، محذّرة من أن التغاضي عن هذه الممارسات يضعها في خانة “التواطؤ” ويجرد بياناتها من أي مصداقية. ولم تخلُ الرسالة من تحذير مبطن للسعودية ودول الخليج، داعية إياها إلى التركيز على “العدوان الإسرائيلي المتصاعد” بدلاً من الانشغال بفرض وصاية على السودان.

كادقلي المحاصرة

في مقابل هذا الموقف الحكومي المتشدد، أعلن التحالف المدني الديمقراطي لقوى الثورة “صمود” ترحيبه الكامل بمبادرة الرباعية، واعتبرها فرصة حقيقية لإنهاء الحرب المستمرة منذ نحو ثلاث سنوات. التحالف شدد في بيانه على ضرورة تنسيق الجهود بين القوى المدنية والمجتمع الدولي لتنفيذ رؤية الرباعية، مؤكداً أن المبادئ التي تضمنها البيان، مثل الحفاظ على وحدة السودان ورفض الحل العسكري وضمان وصول المساعدات الإنسانية، تتطابق مع مطالبه منذ اندلاع النزاع. كما أشار إلى أن خارطة الطريق التي طرحتها المبادرة تبدأ بهدنة إنسانية لثلاثة أشهر تعقبها عملية سياسية تقود إلى تشكيل سلطة مدنية، وهو ما يعدّه التحالف خطوة أساسية لانتقال ديمقراطي حقيقي.

آثار الحرب في العاصمة الخرطوم

في الضفة الأخرى، جاءت مواقف الحركة الإسلامية السودانية بقيادة علي كرتي أكثر تصعيداً، إذ جددت دعمها الكامل للجيش ورفضها القاطع لمقترحات الرباعية. الحركة اعتبرت أن الدعوة إلى هدنة إنسانية ليست سوى محاولة لإنقاذ قوات الدعم السريع المتراجعة ميدانياً، ووصفت المبادرة بأنها “ملغومة” وتهدف إلى فرض وصاية سياسية على البلاد. كرتي لم يتردد في توجيه اتهامات مباشرة إلى الإمارات، متهماً إياها بدعم الميليشيا بالسلاح والمال، ومؤكداً أن تضحيات الجيش تجعل من المستحيل قبول أي تسوية مشروطة تأتي من الخارج.

شاب سوداني يبحث عن ملجأ

أما حكومة “تأسيس” في نيالا فقد اتخذت موقفاً مختلفاً، إذ رحبت بالبيان الرباعي وأبدت استعدادها الكامل للتعاون مع وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لتسهيل وصول المساعدات الإنسانية. البيان الحكومي شدد على أن معالجة جذور الأزمة التاريخية هو السبيل لبناء دولة مستقرة، ورحّب بموقف الرباعية تجاه الجماعات المرتبطة بالنظام السابق، واصفاً إياها بـ“الإرهابية المتطرفة” التي لا مكان لها في مستقبل السودان.

آثار حرق جماعي لمواطنين في إحدى الحاويات

هذا التباين الحاد في المواقف يعكس عمق الانقسام السياسي داخل الساحة السودانية. فبينما ترى الحكومة المركزية والحركة الإسلامية أن مبادرة الرباعية تمثل تدخلاً يمس السيادة، تعتبر قوى مدنية مثل “صمود” وحكومة “تأسيس” أن المبادرة تحمل فرصة واقعية لإنهاء الحرب المستعصية. وبين هذين الموقفين، يظل الشعب السوداني هو الخاسر الأكبر، إذ يعيش مأساة إنسانية متفاقمة وسط صراع إقليمي ودولي على النفوذ في بلد يعاني من حرب طاحنة منذ سنوات.

شباب سوداني لا يزال متمسكاً بالآمال والأحلام

المشهد الحالي يوحي بأن مستقبل السودان سيتحدد بمدى قدرة القوى المحلية على تجاوز خلافاتها والتوصل إلى صيغة داخلية للحل، بعيداً عن تناقضات المواقف الإقليمية والدولية. ومع استمرار تبادل الاتهامات بين الحكومة والمعارضة المسلحة وحلفائهما الخارجيين، تبدو فرص إنهاء النزاع رهينة بتوازنات دقيقة بين السيادة الوطنية والضغوط الدولية، في وقت يزداد فيه الإلحاح لإنقاذ المدنيين من ويلات الحرب.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى