في نسخته الخامسة .. مهرجان “ديريك الثقافي” يحتفي بعظمة المرأة الجنوب سودانية
جوبا - مشاوير: سايمون أتير

إيمانًا بدور المرأة الجنوب سودانية وإسهامها الثرّ في مختلف الميادين، وصمودها وعطائها المتجذّر في هذه الأرض الطيبة عبر الأزمان، يكرّس مهرجان ديريك الثقافي في نسخته الخامسة هذا العام للاحتفاء بهنّ، في محبةٍ وبمحبةٍ، تحت شعار:
“نساء جنوب السودان: إرث من النضال والإلهام”
يكرّم المهرجان هذا العام أربع رموز نسائية رائدة:
▪︎ البروفيسور جوليا أكير – إحدى رائدات التعليم، وأول امرأة تشغل منصب مدير جامعة في جنوب السودان.
▪︎ الدكتورة سلوى غابرييل – من أوائل الدبلوماسيات الجنوب سودانيات، ورائدة في مجال الدبلوماسية.
▪︎ الأستاذة فيفيانا نياشان – من رائدات الموسيقى المعاصرة في جنوب السودان.

▪︎ الأستاذة ماجوري إليانانا – أول امرأة جنوب سودانية تدرس التمثيل والإخراج والمسرح، وأول مخرجة ومنتجة إذاعية.
إن اختيار هذه النسوة الأربع من قِبل اللجنة المنظمة للمهرجان ليس مجرد تكريمٍ رمزي، بل هو اعترافٌ صريحٌ بتاريخٍ طويلٍ من النضال والقيادة والإلهام لنساء جنوب السودان كافة. فهنّ يمثلن امتدادًا طبيعيًا لسيرة نساء خالدات تركن بصماتٍ لا تُمحى في ذاكرة الوطن، وفي مقدمتهنّ الرثّ “أبو ضوك بوج” التي قادت مملكة الشلك بحكمةٍ وقوةٍ في الفترة من (1660 – 1670م)، والزعيمة “أناك مثيانق” التي كسرت حاجز النوع الاجتماعي لتصبح أول امرأة تتقلّد الزعامة في التاريخ الاجتماعي والإداري لقبيلة الدينكا في بحر الغزال.

وليس الماضي وحده حافلًا بمثل هذه النماذج، بل إن الحاضر أيضًا يروي الحكاية ذاته — حكاية امرأةٍ تكافح، وتصمد، وتنتصر.
ففي كل جيلٍ تولد نسوة من رحم التحدي، يحملن إرث الأمهات الأوائل، و يواصلن المسير: أيان أتير، سيفيا جيمس، بوشاي، بخيتة، و “لين” التي ما زالت تحتفظ بإبتسامتها اللطيفة رغم كل الخيبات!. جميعهنّ، ومعهنّ كثيرات، يجسدن قصص الكفاح اليومية التي تشكّل جزءًا أصيلًا من الهوية الجنوبية، ويروين من خلال نضالاتهنّ حكاياتٍ ملهمة عن الإصرار والإيمان بالمستقبل.
إن المهرجان – وهذا يقيني– لن يقف عند تكريم النساء في المناصب العامة فحسب، بل سيفتح ذراعيه ليحتضن النساء المنسيات على هامش الحياة اليومية: الأرامل، المطلقات، فاقدات السند، والباحثات عن الرزق الحلال: بائعات الفول المدمس، ستات الشاي، والمناضلات اللاتي يكسرن الحجارة بيدين متعبتين عند أسفل “جبل كجور” من أجل لقمة عيشٍ كريمة.

هؤلاء أيضًا بطلات، لا يحملن الأوسمة، لكنّهن يحملن ما هو أثمن: المحبة والعزيمة.
بهذا .. فان مهرجان هذا العام لن يكون مجرد تظاهرة ثقافية، بل منبرٌ لتجديد الاعتراف ببطولة النساء في الريف والمدن — من قاعات الإدارة إلى أكواخ القرى، ومن فضاءات المنازل إلى مخيمات النزوح/اللجوء، حيث يكاد يقتلهن المشقة، الذل والإهانة ولكنهن مع ذلك يسرن على دروب الحياة بإصرارٍ لا يعرف الانكسار!.
إنه احتفاءٌ بجمال العزيمة، واحتفالٌ بأنوثة الصمود.
إنه صوتٌ يقول لكل امرأةٍ جنوب سودانية:
“أنتِ لستِ ظلًا في الحكاية، بل أنتِ الحكاية نفسها.”



