قضايا

“المُتغيِّر الخَفي” سِرُ السودانِ الساري

الجميل الفاضل

رسم المبعوث الامريكي الخاص للقرن الإفريقي مايكل هامر صورة سوداء، قاتمة السواد، لمستقبل الأوضاع في السودان.

واصفا وضع البلاد الماثل بأنه “رهيب”، مرجحا أن تتجه الأمور بوتيرة متسارعة نحو تقسيمها، بصورة اسوأ من ليبيا اذا استمرت الأطراف المتحاربة في مواقفها الراهنة. 

ما قاله السيد هامر، هو بالضبط ما يقوله الواقع، متسقا مع المنطق الطبيعي للأشياء.

بيد أن مُتغيِّرا خفيا هو في الحقيقة الذي يقود ويتحكم في المسارات اللولبية المتأرجحة للتاريخ هنا.

وبالطبع لا زال هذا المُتغيِّر الخفي ينشط إلى الآن تحت هذه العتمة على خلفية كل ما يجري من وقائع يومية.

ومِن عجبٍ، انه ُمتغيِّرٌ دقيقُ الخفاءِ، ظلّ يتخذُ سبيله في بحر هذه الأحداث وبين تضاعيفها سربا.

ربما على صورة هذا “المُتغيّر الخفي” غزل محمد الحسن سالم (حميد) قوله هذا:

اسمع كلامي ده يابلد

كان ذات زمان

 كان في بكان

زي البكان دا وها الزمان

وقعت شرارة علي برج

 ساكنو الحمام

فسراع هرع ريح الخريف

من جاي وجاي لمَّ الغمام

نزلت مطيرة برت برت

طفت الحريق

والريح معلق في الركام

 لما اتنفض

وقف المطر والجو برد

 فزعوا العصافير لي بعض

حفتوا الحطام مرق المرق

واللِّنحرق بين الورق

لفوهو بي كل احترام

قبل الظلام يغشى الفريق

 زي اكنو ما قد كان حريق

كان البرج زي ماهو قام

 من تاني قام سكنو الحمام

باض الحمام هدل الحمام.

وحكي د. تاج السر الترابي وقائع جلسة تبين كيف أن هذا “المُتغيِّر الخفي” يعمل قائلا: “

 في أواخر ديسمبر ١٩٨٤م أذكر إنني كنت متواجدا في جلسة حوار فكري بمنزل الاستاذ محمود محمد طه، قبل إصدار منشور الفكرة الجمهورية الشهير (هذا أو الطوفان).

تناول الحوار الفكري موضوعات عديدة، ولكن ما لفت إنتباهي وكل تركيزي مقولة الاستاذ محمود: إذا علمتم “بأحداث” و “ثمن” تكلفة إنتزاع وإقتلاع جماعة “الهوس الديني” من جذورهم، من أرض السودان، لما تمنيتم أن تدركوا ذلك الوقت.

فسأل أحد التلاميذ الأستاذ عن تصوره لشكل تلك ألاحداث، رد عليه الاستاذ: (البلد دي، راح تكون في حالة “دمار شامل” و “خراب كامل”، خاوية علي عروشها، حتي تقنعوا من خير فيها، ثم بعد داك، تعمر.

ومضي الدكتور تاج السر الي القول” ثم تلي الأستاذ محمود علي تلاميذه: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً، فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ، اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ).

 ويقول تاج السر: بعد “العمار” أردف الأستاذ:

 يجيء عليكم خير، ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.

 يجيكم خير الدنيا بجنة الله في الارض”.

فالسودان أيضا على قول الإمام الجنيد: ظل يتوضأ بماء الغيب لأنه في الحقيقة ذا سِرٍ، وأي سِرٍ هذا الذي حار فيه محمد المهدي المجذوب قائلا:

أيكون الخيرُ في الشرِ إنطوي

والقوي خرجت من ذرةِِ

هي حبلى بالعدم

أتـُراها تكفلُ الحربَ

وتنجو بالسـَّـلـَم

ويكون الضربُ كالقوةِ

حقاً وإهتماما

سوف ترعاهُ الأُمم

وتعود الأرضُ حُبـاً وإبتسـاما.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى