ما عاشه المثقفون الفنان الشرفاء في صراع مع سلطات الحركة الإسلامية الاستبدادية لن تمحوه زيارات خادعة لمسؤول أمني لبيوت المبدعين لتفقد أحوالهم، والتوصية بعلاجهم، أو مدهم بالمال، ومن ثم استخدام صور الزيارات للمتاجرة السياسية في الإعلام الرقمي.
فما يوفر حياة كريمة، وحرة، لمبدعي السودان هو وجود نظام سياسي ديمقراطي لا يحرم المبدعين بقهر الأمن من تقديم إبداع لا تحده حدود التفكير الأمني، ولا تلازمه الرقابة الذاتية المؤسسة بخطوط الأمن الحمراء. فانطلاق المبدع في فضاء ممارسته الفنية، وجموحه في الخيال لاستنباط الجمال، يتصادم مع مزايا السلطة الأمنية المستبدة التي لا تخشى إلا حرية الناس في التعبير عن رؤاهم الفكرية، والسياسية، والفنية.
وما بالك إذا كانت هذه السلطة تملك من الفرمانات الفقهية لتفسير إنتاج المبدع دينياً، فإذا وجدته طليقاً في التبديع حرمته من استخدام إعلام الدولة، وطاردته واعتقلته، وعذبته.
الفضيلة التي صنعها مفضل إعلامياً لإبداء الرفق بالمبدعين لن تنجدهم مرة واحدة من الإهمال الحكومي المتوارث منذ الاستقلال. فلو أن سلطات بورتسودان تريد كرامة للفنانين لخلقت لهم معاشات مقننة بالدستور، وتبعتها ببطاقات علاجية، ومنازل، وجددت جوازاتهم مجاناً، بدلاً عن المتاجرة بأوضاعهم وهم في خريف العمر، وإظهار “العطيات المزينة” الشحيحة أمام الكاميرا.
إن وظيفة رجل الأمن في عالمنا الثالث أن يعترض سبيل رجل الفن كما أظهرت العلاقة بين المثقف والسلطة وإلا فإن هذا الود الكذوب اللحظي لمفضل إزاء مبدعين سيكون مجرد ملمح من نفاق الأيديولوجيا الإسلاموية. فما من فاعلية، وجدوى، وإثمار، لهذه العلاقات التي حاول قوش، وكامل، ومفضل، أن يعبروا بها عن نفس سمحة وحنونة نحو المبدعين الذين يتفاجأون باهتمام الدولة عند الساعة الخامسة والعشرين.
وعلى كل حال عوضاً عن نفاقكم اعتذروا لعركي الذي كنتم ترفضون بث غنائه، وتلاحقونه في الجامعات لتخريب حفلاته، ومتابعة حركته، ورصد زوار منزله. اعتقد أن زيارات العسكر، والأمنجية الأخيرة لعركي تريد منه كلمة لدعم حربهم، وأن تبلغ رسالة خبيثة لسان حالها يقول: هؤلاء رموزكم يا ثوار، وصاروا حبايبنا، ومفيش حد أحسن من حد.!!!