مقالات

هل ارتريا جزء من اثيوبيا؟

فتحي عثمان (*)

لا شك أن هذا السؤال عند القراءة الأولى يبدو مستفزاً، وقد يدفع إلى إجابة سريعة أن ارتريا ليست جزءاً من اثيوبيا. نعم ارتريا ليست جزءاً جغرافياً أو سياسياً أو غيره من اثيوبيا.

لكن لنمضي قدماً مع السؤال لنرى ونفحص سياق العلاقات بين البلدين منذ الاستقلال وحتى اليوم عبر محطات مهمة في هذه العلاقات الثنائية الشائكة.

عند تناول هذه العلاقات نجد أن اثيوبيا ونظام حكمها وسياساتها وحكامها تحتل حيزاً كبيراً في (الانشغال) السياسي الارتري، خاصة لدى اسياس أفورقي. الإجابة الأمثل على السؤال أعلاه ربما تأتي على شكل رسالة علمية، ماجستير أو دكتوراه يدرس فيها المهتم موقع اثيوبيا في الخطاب والسياق السياسي للرئيس والحكومة الارترية عبر دراسة الأخبار والمقالات في الاعلام الرسمي وكذلك التقارير الرسمية والدبلوماسية والأغاني والقصائد وبشكل خاص خطابات الرئيس اسياس افورقي منذ عام 1997. عبر تقديم إحصاءات وأرقام وفرضيات.

 كل خطب ومقابلات الرئيس أفورقي منذ تلك السنة تكاد لا تخلو من ذكر اثيوبيا أو أحد اقاليمها.

عندما وقع اسياس أفورقي وملس زيناوي اتفاقية التعاون الأمني و”الدفاع المشترك” في يوليو من عام 1993، لم تثر تلك الاتفاقية إلا تساؤلات مكتومة وربما منزعجة في عواصم دول الجوار. وعندما بدأت سحب الأزمة تتراكم بين البلدين منذ إصدار عملة النقفة وإصدار تيغراي لخارطة جديدة للإقليم والتوغل في مناطق عد مروق وبادمي وانفجار الوضع في أشرس مواجهة في مايو 1998 احتلت اثيوبيا الحيز الأكبر في كل اهتمامات الحكومة الارترية وتزامنت مع تلك الحروب عبارات مأثورة “كشروق الشمس من مغربها”، “وانتهت اللعبة” ولكن التناول المتكرر والذي لا يكل ولا يفتر عند الرئيس أفورقي هو المادة ال 39 من الدستور الاثيوبي والتي أرست قواعد الحكم عبر “الفيدرالية الاثنية”. ففي غير مرة أكد أفورقي بأنه حذر الاثيوبيين بأن ذلك سيدمر البلاد، ليس ذلك فحسب بل أكد لهم “معارضة” ارتريا لهذا الاتجاه في الحكم!

وأكد أكثر من مرة أن هجومه على الفيدرالية الاثنية هو في مصلحة اثيوبيا، لأن ارتريا – كما أكد – حريصة على وحدة اثيوبيا.

لكن السؤال هو لماذا لا تثير الفيدرالية الاثنية نفس الانزعاج في عواصم دول الجوار: الخرطوم وجيبوتي ومقديشو وجوبا مثلاً؟

لماذا هذا الاهتمام “المرضي والمحموم” بإثيوبيا وأسلوب حكمها وأحوال قومياتها؟

قد يجيب البعض بأن ذلك سببه “خصوصية” العلاقات بين ارتريا واثيوبيا، لكن هذه الإجابة ليست كافية لتبرير السعي الحثيث والدؤوب لأفورقي لإعادة اثيوبيا إلى الحكم المركزي (وهذا سر تحالفه مع أبي احمد، خاصة وأن أبي أحمد أبدى في بداية أيام حكمة تذمره من الفيدرالية الاثنية، الأمر الذي لاقى هوى وتأييداً حاراً من أفورقي على خلفية اتفاقية سلام صيف 2018 بين البلدين)

وعندما تراجعت رغبة أبي أحمد في تغيير الفيدرالية الاثنية بدأت العلاقات بينه وبين أفورقي في التراجع حتى وصلت إلى القطيعة التامة بعد اتفاق بريتوريا بين الحكومة في اديس والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي (صاحبة مشروع الفيدرالية الاثنية بالأساس).

التورط الارتري في الحرب الاثيوبية والتعلل بتوقف التنمية بسبب العلاقات المأزومة مع اثيوبيا والسعي المحموم لتغيير نظام الحكم في اثيوبيا (الغاء الفيدرالية الاثنية) كلها تؤشر إلى أن أفورقي ينظر إلى ارتريا (كجزء أساسي) في صياغة مستقبل اثيوبيا، لدرجة التضحية بالشباب الارتري من أجل ذلك الهدف.

على الجانب الآخر من المعادلة كانت اثيوبيا ولا زالت وعبر حكامها المتعددين منذ منتصف القرن التاسع عشر وحتى اليوم الصداع الدائم لسكان ارتريا وذلك عبر سياسات التوسع وأحلام الوصول إلى البحر والنزوع إلى الهيمنة. لكن معالجات أفورقي يبدو أنها تتم (ضمن البيت الواحد) وليس من نوع المعالجات التي تلجاً لها الدول في علاقاتها الثنائية عبر أعراف وتقاليد الدبلوماسية والعلاقات الدولية. وذلك لا يبدو مستغرباً في جذوره التاريخية، إذ أن نظرة أفورقي إلى الثورة الارترية في بداياتها وعندما التحق بها لم تكن مختلفة بتاتاً عن نظرة الامبراطور هيلا سيلاسي والذي حاربته الثورة الارترية بالسن والسنان.

ويمكن تفتيت سؤال العنوان أعلاه إلى عدة شظايا من الأسئلة مثل سؤال: هل البديل الأفضل لارتريا هو “الانشغال الأبدي” بقضايا اثيوبيا عبر دعم معارضة الحكم فيها تارة عبر دعم الجبهة الديمقراطية لشعب تيغراي “دمهيت” أو مليشيات الأمهرة المتطرفة “فانو” تارة أخرى؟

الا يمثل تعامل أفورقي مع اثيوبيا في السنوات الثلاثة عقود الماضية نزوعاً إلى اعتبار نفسه – بشكل خاص – رقماً لا يمكن تجاوزه في تحديد مصير اثيوبيا ونظام الحكم فيها؟

الا يدفعنا ذلك إلى إعادة طرح السؤال بشكل أكثر حدة: هل ينظر أفورقي إلى ارتريا كجزء من اثيوبيا أو العكس؟

 

(*) كاتب وصحفي ودبلوماسي اريتري

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى