السودان: وزارات تُقسَّم والبلاد تشتعل.. حكومة إدريس المرتقبة تحت ظلال الحرب والتمثيل المتنازع عليه
تقرير - رشا رمزي

بينما تهدأ أصوات الرصاص مؤقتًا على جبهات القتال في السودان، تتصاعد وتيرة الصراع داخل أروقة السلطة ببورتسودان، حيث تدور معركة من نوع آخر: معركة الحقائب الوزارية. وفي قلب المشهد، يقف اتفاق جوبا للسلام، محاصرًا بأسئلة التمثيل، وشكوك الالتزام، وسط محاولات حثيثة من رئيس الوزراء المعيّن كمال إدريس لتشكيل حكومة تُرضي الجميع دون أن تُغضب أحدًا.
أعلن محمد زكريا، المتحدث باسم حركة العدل والمساواة، التوصل إلى توافق نهائي بين الأطراف الموقعة على اتفاق جوبا بشأن توزيع الحقائب الوزارية الست المخصصة لهم. خمس وزارات لمسار دارفور وواحدة لمسار المنطقتين – النيل الأزرق وجنوب كردفان – في صيغة تُراعي الثقل السياسي والعسكري دون الإخلال بالتوازن الهش في المشهد الانتقالي. لكن خلف هذا “التوافق”، تتكشف ملامح أزمة أعمق: من يُمثل من؟ وهل يُعد هذا التوزيع وفاءً بروح الاتفاق، أم تفريغًا له من مضمونه؟
الاجتماع الذي عُقد في بورتسودان، بحضور رؤساء الحركات ومفاوضيها، أقر تمثيل مسار دارفور كحزمة واحدة في التشكيل الوزاري الجديد، رافضًا أي تجزئة تُضعف الموقف التفاوضي. وبحسب مصادر مطلعة لـ”سودان تربيون”، تم التوافق على احتفاظ الحركات بوزارتي المالية والمعادن، في مقابل التخلي عن وزارة التنمية الاجتماعية، التي كان يتولاها أحمد آدم بخيت. وفي خطوة أثارت جدلاً فنياً، قررت الحكومة دمج وزارتي الزراعة والري، مع تعيين وكيلين لضمان توازن الإدارة.
لكن هذا التقاسم لا يخلو من توتر. فمطالبة الحركات المسلحة بمناصب وازنة – كالمالية – يأتي في وقت حساس عسكريًا، حيث تشهد جبهات القتال حالة من الهدوء النسبي. هدنة غير معلنة؟ أم تعبئة صامتة لجولة جديدة؟ في الفاشر، توقفت المعارك التي دارت لأيام بين قوات الدعم السريع والجيش حول مقر الفرقة 16، بينما تراجعت وتيرة الهجمات في نيالا وبابنوسة والخوي، وسط مؤشرات على إرهاق الطرفين.
في هذا السياق الملتبس، يبرز المشهد السياسي كعامل ضاغط على المعادلة الأمنية. فالمطالب التي ترفعها القوات المتحالفة مع الجيش بالحصول على مناصب تنفيذية، مقابل استمرار دعمها العسكري، تلتقي مع تحركات الحركات المسلحة التي تسعى للحفاظ على مكتسباتها التفاوضية في جوبا. والنتيجة: حالة من الشلل المؤقت في الحسم العسكري، يقابلها سباق على المواقع داخل الحكومة الانتقالية المرتقبة.
من جانبه، اعتبر وزير الإعلام السوداني السابق، حمزة بلول، أن هذا التحول في نمط الحرب يُعبّر عن انتقالها إلى ساحة السياسة. وقال في تصريحات لـ”الشرق الأوسط” إن انخفاض المواجهات لا يعني نهاية الصراع، بل يُنذر بمرحلة أكثر تعقيدًا، تتخذ فيها الحرب شكلها الحقيقي كصراع على السلطة والنفوذ الإقليمي والدولي، واصفًا الحرب بأنها “سياسية في المقام الأول”.
بلول أشار إلى أن دخول فصل الخريف – بما يحمله من صعوبات لوجستية – يدفع الأطراف نحو إعادة التموضع، ويفتح نافذة للضغوط الدولية، خاصة في ظل اتصالات مكثفة بين الأمم المتحدة وطرفي النزاع، هدفت إلى فرض هدنة إنسانية في الفاشر. رفض الدعم السريع لهذا المقترح، مقابل موافقة الجيش، يؤشر إلى اختلاف حسابات الربح والخسارة لدى كل طرف، ويُبقي الباب مفتوحًا لاحتمال تصعيد جديد.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك، يتواصل نزيف الأزمة الإنسانية. أكثر من 13 مليون نازح منذ أبريل 2023، وفقًا لتقارير الأمم المتحدة، في واحدة من أكبر موجات النزوح عالميًا. ومع غياب أي خارطة طريق واضحة، تتجه البلاد نحو مزيد من الغموض، حيث لا التوافقات السياسية تُنهي الحرب، ولا التهدئة العسكرية تُمهّد للسلام.