ليبيا: على صفيح ساخن.. اشتباكات الفجر تؤجج التوترات والحوار السياسي يبحث عن مخرج
تقرير - رشا رمزي

في مشهد يعكس هشاشة الوضع الأمني في العاصمة الليبية، شهدت منطقة الريقاطة وجزيرة الغيران غرب طرابلس فجر اليوم الثلاثاء مناوشات مسلحة عنيفة بين تشكيلات تابعة لوزارة الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة. الاشتباكات، التي اندلعت بين مجموعات مسلحة من جنزور وأخرى تابعة لجهاز الأمن العام بقيادة عبد الله الطرابلسي، شقيق وزير الداخلية المكلف عماد الطرابلسي، أعادت إلى الواجهة مشهد التفلت الأمني والصراعات البينية داخل مؤسسات الدولة ذاتها.
رغم توقف إطلاق النار صباحًا، يسود هدوء حذر المنطقة، وسط استمرار التحشيدات العسكرية في محيط قرية الريقاطة وجزيرة الغيران، ما يُنذر بإمكانية تجدد المواجهات في أي لحظة، بحسب ما أكده شهود عيان وتقارير محلية. وتأتي هذه الأحداث في وقت يتصاعد فيه التوتر بين الفصائل المسلحة التابعة للحكومة، في ظل غياب التنسيق الميداني وتكرار الاشتباكات في مناطق مختلفة من العاصمة خلال الأشهر الماضية.
اللافت في هذه الجولة من العنف أنها تجري بين أطراف محسوبة على نفس الجهة التنفيذية – وزارة الداخلية – في مؤشر خطير على حالة التنازع والصراع على النفوذ داخل مؤسسات الدولة، لا سيما مع تورط جهاز الأمن العام بقيادة شخصية مقربة من الوزير المكلف ذاته. هذه الوقائع تُسلط الضوء على طبيعة الهشاشة الأمنية التي تُعيق أي عملية سياسية جادة، وتُهدد بجر البلاد إلى مزيد من الفوضى والانقسام.
بالتوازي مع هذا التوتر الميداني، تتواصل المساعي السياسية للخروج من عنق الزجاجة. وفي مدينة القبة شرق البلاد، التقى المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، بخالد المشري، الرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، في لقاء يُوصف بأنه جزء من محاولة جديدة لرسم خارطة طريق سياسية تُفضي إلى تشكيل حكومة موحدة تمهيدًا لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية طال انتظارها.
وبحسب ما أعلنه المركز الإعلامي التابع لمجلس النواب، فقد تناول اللقاء مستجدات المشهد السياسي والخطوات العملية اللازمة لاعتماد خارطة طريق واضحة، يكون من أبرز ملامحها اختيار حكومة جديدة تحل محل حكومة الدبيبة الحالية، وتُكلف بالإشراف على المرحلة الانتقالية وصولًا إلى الاستحقاق الانتخابي.
هذا التحرك السياسي يأتي في ظل فشل المبادرات الأممية السابقة في تحقيق اختراق حقيقي، واستمرار الخلافات حول الشرعية التنفيذية ومهام المرحلة المقبلة، خاصة بعد انتهاء المدة الزمنية لحكومة الدبيبة وفقًا لاتفاق جنيف، وتراجع الثقة في قدرتها على إدارة العملية الانتخابية وسط هذا الكم من الانقسام الأمني والسياسي.
ويرى مراقبون أن تكرار المواجهات المسلحة في طرابلس، بالتوازي مع محاولات التفاهم في الشرق، يعكس ازدواجية المشهد الليبي، حيث تتداخل الحسابات المحلية مع الإقليمية، وتُعيق الميليشيات المسلحة أي مسار مستقر نحو الانتقال السياسي. كما يُبرز اللقاء بين عقيلة والمشري الحاجة إلى توافق أوسع، لا سيما مع غياب أطراف فاعلة أخرى من المشهد، مثل المجلس الرئاسي والمكونات السياسية في الغرب الليبي.
في المحصلة، تبدو ليبيا اليوم أمام مفترق طرق حاسم، بين مشهد أمني مرشح للانفجار في طرابلس، ومبادرات سياسية لا تزال في طور النوايا، دون ضمانات حقيقية للنجاح. وبين هذا وذاك، تبقى مخاوف الشارع الليبي قائمة من عودة الصراع المفتوح، إذا لم يتم وضع حد لازدواجية السلاح والسلطة.