من أدبنا الشعبي السوداني.. “في عرسك بتقوم الكتاحة” سلسلة أمثالنا الشعبية
مشاوير - د. سلوى المشلي

كتبت عن عدد من الامثال الشعبية لكن هذا المثل مشروط بفعل، وعادة اذا اكل شخص ما في قعر الحلة يقال له:” يوم عرسك بتقوم كتاحة”، أو هبوب..
– الكتاحة
في يوم الزواج تقوم الكتاحة أو الهبوب أو الكترابة وكلها عواصف ترابية وقد تختلط بذرات المطر و تزعج الحضور المدعوين للمشاركة في الفرح، فتثير الفوضى وسطهم و تهتز الخيمة و تتقلب الكراسي و تصبح الرؤية ضبابية و يتدافع ويتطاقشوا (يصطدموا) ببعضهم كلٌ يبحث عن ملجأ آمن منهم من يدخل المنزل و آخر يبحث عن عربته و آخر يجمع زوجته و أطفاله و… وسط هرج و مرج و في الاخر ( يتفرتق الحفل) اي ينفض السامر سواء حضر العروسين أو لم بدأ الحفل، و اكثر من يتأثر العروس لضياع ليلة العمر و خراب مكياجها الذي استغرق ساعات من الاحتمال و الصبر.
لذلك كل من يلاقي العريس أو العروس فيما بعد ليبارك لهما الزواج يقول ماذحا:” مبروك ي عريس ده شنو العملتو فينا يوم عرسك ما خليت ليك حَلَة ما قشيته”، أو يقول:” ما قلنا ليكم ما تاكلوا في الحلل يوم عرسكم بتقوم الكتاحة؟”..
كل هذا المنظر الذي حكيته يرجعه الذهن الشعبى لأن العريس ـ قش(مسح) قعر الحلة عادة يحضر الزول البيت متأخر و يجد الوجبة فاتته والاكل خلص فيشوف الحلة فاضية؟ و اذا غسلوها راحت عليه، و اذا في قعرها شي من باقي ملاح أو كسرة ؟ خاصة إذا كانت ملاح ملوخية مطبوخ أو قرع او بطاطس او بامية مطبوخة ولا ملاح مفروك يرمي على الباقي في قعر الحلة كم طرقة كسرة و يقطع عيش أو باقي عيش إذا توفر و يكُب لو في باقي سلطة من الغدا و لو في ليمونة يعصرها و يزيد موية لو محتاج كمية كبيرة و يضرضِر حبة شطة حمرا وتبدأ السواطة و العجن باليد ، واذا مجموعة يتخاطفوا الاكل ويضحكوا”.
وفي المناسبات بعد الحفل يتدافع أهل العروس باحثين عن اكل بعد أن كفوا عرضهم فيفتشوا في الحلل الكبيرة حقت الطباخين (القيزان)، و يكبوا البواقي كلها مع باقي المخلل والسلطات و يقشوها.
كذلك يحلو الاكل البايت و يصبح أكثر طعما خاصة القرع والرجلة و عجنة بالكسرة البايتة مع صحن شطة خدرا أو حمرا بالدكوة و البصل اخدر أو احمر حق ملاح.
ـ حك قعر الحلة
حك الحلة بكون لباقي حلة الرز باللبن أو حلو الكستر باللبن أو مديدة الحلبة خاصة الأطفال لما يكون في نُفاس في البيت، لان حللها ما بتتقشه بتتلحس باليد أو تتاكل بالملعقة بعد حك قعرها بها، و للحق لذيذة جدا فيها طعم قُنان الحلة مختلط ببواقي الرز أو الكستر، و الغريب أن حلة القُنان للبن لا تؤكل لأن طعمها مُر.
– لماذا تقوم الكتاحة
لعل العلاقه ان الاكل في الحلة و السواطة بداخلها يخلق فوضى و لف الكسرة و العيش بداخلها كأنما تخلق إعصار بداخلها و لما تجي الكتاحه يوم عرسو كنوع من العقاب واللعنة و تخلق فوضي و لخبطة.
وعلى نحو آخر يقال المثل: “ختاي تقول قاعد تأكل في قعر الحلة”، وهو يقال في بيئة ارتبطت بالصيد، فعندما يقوم بعض الشباب بالذهاب إلى الصيد البري يجمعون كلابهم في الصباح الباكر و يحملون السفاريق(جمع سفروق و هي عصا محنوفة لصيد الصغار من كالارنب وكذا و للدفاع عن النفس، تستخدم في غرب السودان و حاليا يحملها أهل شرق السودان خاصة الهدندوة).
ويتنافسون في الصيد.عندما يفشل الشاب في صيد الصيدة بالسفروق هنا يأتي المثل توبيخك على بقول:” ختاي تقول قاعد تأكل في قعر الحلة”، و كأنما الاكل في قعر الحلة يمييت القلب واليد التي تحمل السفروق لذلك كانت الامهات يخشن على ابنائهن من أكل الحلة.
* “مقالات في في الفولكلور السوداني”، (كتاب غير منشور)، لسلوى عبد المجيد احمد المشلي، 2024.