تقارير

النساء ضحايا الحرب في السودان .. انتهاكات ومخاطر وأزمات إنسانية 

أم درمان ـ تقرير - بخيتة زايد الصافي 

أزمة إنسانية عميقة سببتها الحرب في السودان، وأدت إلى نزوح ملايين الأشخاص بحثاً عن المناطق الآمنه بينهم نساء وفتيات وأطفال، مما عرض بعضهم للإستغلال والعنف الجنسي والاختطاف والتجنيد القسري، في واحدة من أسوأ مآسي الصراع المسلح. 

بعض النساء والفتيات أجبرن على النزوح بسبب فقدان الأمان والأهل ونقص الخدمات الأساسية من كهرباء وماء وطعام ووقود، إلى جانب تزايد مخاطر العنف القائم على النوع الإجتماعي، لذلك بات من الصعب على النساء البقاء والحصول على المساعدة التي يحتجن إليها. 

 

رحلة ومخاطر

تقول ساره النور لمنصة (مشاوير) أنها أجبرت على الهروب من منزل أسرتها بضاحية العمارات بالخرطوم، عندما حصد القصف المدفعي أرواح أفراد أسرتها في الأيام الأولى لاندلاع الحرب بين الجيش السوداني وقوات “الدعم السريع”، بحثاً عن مكان آمن في رحلة محفوفة بالمخاطر رغم قصر المسافة بين الخرطوم وأم درمان التي نزحت إليها، وقطعت تلك المسافة راجلة في خمسة أيام قضتها في التخفي بين الحين والآخر من بين سيارات أفراد المجموعات المسلحة التي كانت تجوب الشوارع. 

وأشارت النور إلى أنها “كانت تخشى على نفسها من الوقوع في براثن جنود المجموعات المسلحة، وما قد تتعرض له من عنف جسدي وجنسي. 

ولفتت إلى أنها ومن خلال رحلة النزوح رأت مشاهد فظيعة في الطرقات، إذ لم تكن تحمل معها سوى قارورة مياه وفي طريقها كانت تلتقط بقايا الطعام، مما تركه المواطنين في منطقة السوق العربي. 

وأوضحت أن “الرحلة كانت صعبة للغاية، إذ ظلت تتخفي ولا تتحرك إلا بعد أن يحل الظلام، وقد قدم لها بعض الأطفال المتشردين ممن كانوا في منطقة السوق العربي خدمات جليلة، وتمكنوا من توصيلها إلى منطقة المقرن في الخرطوم، وعن طريقهم سلكت الطريق إلى شاطئ النيل الأبيض اسفل جسر الفتيحاب بام درمان. 

 

الدخول إلى أم درمان

تواصل سارة حديثها قائلة : دخولي إلى مدينة أم درمان ليلاً لم يكن سهلاً، وبعد معاناة شديدة تمكنت من عبور الجسر والدخول إلى الحي المتاخم لمنطقة الفتيحاب، وبعد الوصول حاولت أن استعين بسكان المنطقة لكي اقضي ليلتي، لكنهم كانوا لا يستجيبون رغم الطرق المتواصل على الأبواب. 

وأردفت : كانت ثيابي متسخة، بالإضافة إلى حالة الإرهاق والتعب الشديد، مما دفعتي إلى الاحتماء بجدار أحد المساجد في المنطقة، لا ادري كم مكثت في هذه الحالة. 

واستطردت : انتفضت مذعورة على صوت ايقظني من ثبات، مما جعلني انفجر باكية طالبة منه المساعدة بعد فقدان أسرتي بسبب الحرب، وبعد فترة قادني الرجل إلى منزله، ووقتها كانوا يتأهبون للرحيل بعد تفاقم الأوضاع، وبالفعل اوصلوني إلى مدخل محلية كرري، وبعد معاناة سمح لي بالدخول لأنني لا احمل أوراق ثبوتية. 

وتابعت : كنت تائهة لأن المدينة كبيرة ولا أعرف أحد هناك يمكن أن الجأ إليه أو استنجد به. 

تشير سارة إلى أن “الرعب أصابها لأن المدينة وقتها كانت شبه خالية من السكان ولا صوت يعلو سوى صوت المدافع والرصاص وأزيز الطيران الحربي. 

وتضيف “كنت وحدي ولا علم لي بوجود مراكز للإيواء، ولم أجد شخص يدلني عليها، وخلال رحلة تنقلي شاهدت فتيات في عمري وأخريات أصغر سناً جمعنا الخوف داخل بناية تحت التشييد في منطقة غرب الحارات بأم درمان، وعلى رغم اختلاف أسباب وجودنا جميعاً في الشارع إلا أن القاسم المشترك بيننا هو الحرب ليس سواها.

 

فقدان الأهل والسند

تسرد سارة تفاصيل أيام الرعب قائلة “بسبب الحرب فقدت كل الأهل، وكذلك السند الذي يقف إلى جانبي في هذه المحنة الصعبة، ومع مرور الوقت كان لابد لي من تدبير شؤون حياتي الجديدة، في الشارع استمديت القوة من بعض الأشخاص الذين يعانون مثلي، خرجت ابحث عن ما يسد الرمق، طرقنا الأبواب للبحث عن الخبز اليابس والملابس القديمة، وفتيات أخريات بدأن يتسولن الماره اعطوهم أو منعوهم، وكان التنقل يستمر على رغم ارتفاع أصوات المدافع، فالخوف بداخلنا من الموت والجوع يدفعنا للبحث عن لقمة العيش، وفي الفترة المسائية نجتمع لكي نتناول الطعام على ما تجود به علينا الأسر من بقايا طعام وخبز يابس. 

وتواصل القول “الملابس القديمة التي نحصل عليها نقتسمها بيننا، حيث كانت تمثل شيئاً عظيماً، ونحن في قمة السعادة لأن التنقل كان محدوداً نظراً لتحرك المجموعات المسلحة في الطرقات. 

 

نزوح جديد 

على رغم المآسي والمعاناة التي عاشتها سارة في رحلتها الأولى، إلا أن السبل تفرقت بها ورفيقاتها بعد إطلاق النار في المكان الذين يقيمون فيه، الأمر الذي دفعهم للفرار مجدداً لتتضاعف المعاناة من جديد، وقد اتجهت شمالاً هذه المرة حتى وصلت منطقة سوق صابرين في أم درمان خلال الفترة المسائية، وهناك وجدن مجموعة من الشباب والفتيات وفاقدي السند ممن فرقتهم الحرب عن ذويهم بالموت أو الاختفاء القسري والاختطاف. 

وجدت ساره نفسها وسط مجموعة جديدة، اتخذت من ظل البنايات وازقة السوق مأوى لها نهاراً، وفي الفترة المسائية تتجمع مع المجموعة الجديدة حول مكب للنفايات، حيث يبحث الجميع عن ما يسد الرمق من بقايا المطاعم والكافتريات وبائعي الخضر والفاكهة بالسوق. 

 

كفاح ومثابرة   

معاناة سارة تحكي عن الآف القصص المشابهة، إذ استطاعت أن تتغلب على الظروف الصعبة والأزمات، وخلال التنقل وجدت سيدة كبيرة في السن فقدت أبنائها خلال الحرب، حيث قامت بايوائها وأصبحت لها إبنة. 

اعتمدت سارة على نفسها بالعمل كبائعة شاي لإعانك نفسها والسيدة، ولكنها تقول أن َ كثير من الفتيات والشباب ممن كانوا معاها ظلوا في الشوارع دون مأوى ولا يستطيعون الاعتماد على أنفسهم.

وعزت ذلك لأسباب نفسية لأن وجودهم في الشوارع عرضهم لانتهاكات جنسية وجسدية، وتجد منهم فتيات صغيرات في السن يحملن اطفالاً رضع لا عائل لهن، خلال وقت لا يقدرن فيه على إعالة انفسهن ناهيك عن هؤلاء الأطفال مجهولي النسب والمصير.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى