تقارير

النازحون من جنوب وغرب كردفان: تراكم المآسي والأمراض والجوع 

منتدي الإعلام السوداني 

صديق الدخري

الأبيض، 16 يوليو 2025- منصة (مشاوير) – في رحلة النزوح القاسية لسكان ولايتي جنوب وغرب كردفان قضى النازحين ما بين ثلاث وأربع ليال في الطريق سيراً على الأقدام قبل وصولهم إلى وجهتهم الجديدة، إذ تقطعت بهم السبل في الطرقات، ونالت النساء النصيب الأكبر من المعاناة. 

ومنذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع كانت المناطق في جنوب كردفان مسارح للعمليات العسكرية بين الجانبين وبات آلاف السكان في حالة نزوح واسعة ومتكررة.

وبالنسبة للنساء النازحات، أدى انعدام الفيتامينات وسوء التغذية والتطعيمات الضرورية أثناء الحمل إلى ارتفاع معدلات حالات الإجهاض. وكذلك تعرضت العشرات من الأمهات لحالات إغماء في الطريق أثناء رحلة الفرار، بينما استهلك النزف أرواح أخريات في رحلة البحث عن مركز طبي.

 

وضع كارثي 

 

صفية العبيد إحدى سكان مدينة النهود تقول لمنصة (مشاوير) إن “الأوضاع تفاقمت بصورة غير مسبوقة بعد اجتياح قوات “الدعم السريع” للمدينة، إذ انهار القطاع الصحي نتيجة عمليات النهب والسلب ونزوح الكوادر الطبية.

 

وأضافت “بعد مرور شهر بات الوضع الصحي في مدينة النهود كارثي ومأسوي، إذ توقفت غالبية المستشفيات عن العمل إضافة إلى النقص في المعينات الطبية والأدوية، وكذلك لا تتوافر وسيلة لإنقاذ حياة النساء خصوصاً الحوامل ومرضى الفشل الكلوي والسكري في ظل انعدام الممرات الآمنة وسيارات الإسعاف. 

 

وتابعت العبيد “هناك نقص في المعينات الطبية والأدوية والكوادر الصحية، مما أدى إلى ظهور أمراض لدى النساء الحوامل مثل ضغط الدم وارتفاع السكر والتعرض للجلطات”.

 

واستطردت “مئات النساء النازحات يعانين بشدة، وأن هناك حالات وفاة عدة سجلت بين السيدات بسبب سوء التغذية والتسمم وحمى الضنك والتيفوئيد، إلى جانب مضاعفات الولادة وحالات الإجهاض.

 

مآس وأزمات 

 

أما نوال النعيم التي فرت برفقة أسرتها من منطقة (الفولة) في ولاية غرب كردفان، أشارت في حديثها لمنصة (مشاوير) إلى أنهم “عانوا الأمرين في رحلة النزوح، حيث استقلوا عربة كارو في طريق الخروج من المدينة مروراً بالقرى، وعقب ذلك تنقلوا باللواري حتى الوصول إلى منطقة (أبو حراز)، ومنها إلى الأبيض، عاصمة ولاية شمال كردفان.

 

ولفتت إلى أن “معظم السيدات في القري المجاورة يتألمن بشدة من الأمراض المزمنة، ونسمع أحياناً صوت بكاء نساء، في وقت لا نستطيع فيه تقديم خدمة لأسرهن، وهو أمر يدعو إلى الحسرة والألم.

 

ونوهت النعيم إلى أن “المعاناة تمتد إلى الأمهات المرضعات اللاتي يجئن في مقدمة المتأثرين بتداعيات الحرب، وخلال رحلة النزوح تعرضن لمتاعب عدة قبل الوصول إلى المستشفيات. 

 

وأردفت “حدثت حالات إجهاض لخمسة نساء أثناء الرحلة من مدينة (الفولة) وقبل الوصول إلى عاصمة ولاية شمال كردفان وذلك نتيجة لنقص الرعاية الصحية. 

 

مواجهة الموت 

 

يروي المواطن (ع ك) أنه اصطحب زوجته الحامل بسيارته الخاصة في محاولة الوصول إلى أقرب قسم للطوارئ الحية من منطقة (الأحمر) غرب مدينة (الدبيبات) في الطريق إلى مدينة (أبوزبد) بولاية غرب كردفان، لكن عند إحدى نقاط الارتكاز خلف قرية (أولاد يونس)، استوقفهم جنود بزي “الدعم السريع”، وطلبوا منهم مغادرة السيارة وتسليم مفاتيحها، لكنهم عندما علموا أن بداخل العربة مريضة وبعد محاولات استعطاف عدة ورجاء استبدلوا بالعربة موتوراً ثلاثي العجلات (ركشة) على نفقتهم من أجل مواصلة رحلة البحث عن أقرب مستشفى لعلاج والدته وتم الاستيلاء على عربتهم.

 

يواصل المواطن حديثه قائلاً “عانت زوجتي بشدة من الآلام وبعد المسافة، وعندما وصلنا مدينة (أبو زبد) ودخلت المستشفى قرر الأطباء إجراء عملية إجهاض ونقل دم.

 

وأشار إلى أن “النساء والفتيات العالقات بمناطق النزاع المسلح النشط ولا يستطيعن النزوح من مكان إلى آخر يعشن واقعاً مؤلماً لجهة مواجهتهم الموت نتيجة تدهور الوضع الصحي ونفاد الأدوية.

 

خوف وهلع

 

النازحة وصال محمد الشريف التي كانت تقيم في منطقة (الدبيبات) بولاية جنوب كردفان قالت لمنصة (مشاوير)، “عقب استعادة “الدعم السريع” للمنطقة من قبل الجيش السوداني، وبعد تزايد معدلات الانتهاكات، زادت مخاوفنا التعرض للقتل والاغتصاب والعنف الجنسي، لذلك قررنا التوجه نحو مدينة الأبيض”. 

 

وأضافت، “في رحلة النزوح لم نجد وسيلة تقلنا إلى وجهتنا، وبعد أربع ساعات من المشي وصلت متعبة وغير قادرة على التقاط أنفاسي، كان الطريق مزدحماً بآلاف الفارين من ويلات الصراع المسلح، وبعد جهود مضنية أقلتنا سيارة. 

 

وأوضحت النازحة أن “المستشفى يستقبل مئات النساء الحوامل، وبصعوبة وبعد انتظار لساعات أجريت الفحوص الطبية التي أظهرت عدم وجود نبض للجنين، والحاجة إلى عملية إجهاض عاجلة من أجل وقف النزف حفاظاً على حياتي. 

 

وتابعت، “تمكن الأطباء من إجراء العملية، وكنت أنا الحالة السادسة من مجموع حالات الإجهاض التي أجراها المستشفى في ذلك اليوم، وبحسب الطبيب فإن الإجهاض نتج من إرهاق الرحلة والخوف. 

 

عوامل مؤثرة

 

على نحو متصل، يرى اختصاصي النساء والتوليد مبارك الزبير أن “الحرب فاقمت معاناة النساء في كردفان، إذ تعرضن لانتهاكات عدة، فضلاً عن نقص الرعاية الصحية، مما ساهم في تزايد حالات الإجهاض بسبب الخوف والهلع جراء القصف المدفعي والجوي، وكذلك الصدمات النفسية والنزوح المتكرر وسوء التغذية. 

 

وأضاف في حديثه لمنصة (مشاوير)، “ندرة الأدوية والفيتامينات والمكملات الغذائية التي يجب أن تحصل عليها الحوامل في الأشهر الثلاثة الأولى والتطعيمات الضرورية عوامل أدت إلى تسجيل حالات إجهاض متكررة.

 

وبين الزبير أن “رحلات النزوح تجبر النساء على الركض في الطرقات أو المشي لمسافات طويلة مع حمل أمتعة، وقد تسبب هذه العوامل النزف المباشر وارتفاع ضغط الدم عند الحوامل، ويمكن أن تؤدي إلى انفصال كامل للجنين (انفصال المشيمة)، بالتالي الإجهاض.

ينشر منتدى الإعلام السوداني والمؤسسات الأعضاء هذه المادة من إعداد منصة (مشاوير) لتعكس المعاناة المضنية التي تعيشها النساء الحوامل والأمهات في ولايتي جنوب كردفان وشمال كردفان جراء تداعيات الحرب، ويشير الأطباء إلى تزايد حالات الإجهاض وسط النازحات مما يستدعي التدخل العاجل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى