
في عالم يتقاذفه العنف والخوف والانقسام، ينهض الفن كدرع إنساني صامت، يصدّ عنا موجات القسوة اليومية، ويذكرنا بما تبقى من نور في دواخلنا “الفن يمنعنا من الشرور” ليست عبارة إنشائية، بل حقيقة يلمسها كل من لجأ يوماً إلى أغنية تخفف وجعه، أو لوحة تُلهمه بالتسامح، أو مشهد مسرحي يُحاكي هشاشة الإنسان.
الفن لا يُنقذ الأرواح مثل الطب، ولا يحكم الدول كالساسة، لكنه يُصلح ما أفسدته الحروب داخل الإنسان فحين تُطمر القلوب بالخوف، تأتي الألوان لتنفض الغبار عن الإحساس، وتأتي القصائد لتوقظ الذاكرة، وتأتي الأغاني لتعيد لنا ملامحنا الضائعة.
في السودان، ورغم سنوات الحرب والتشظي، ظل الفن صامدًا في وجه الظلمة الأغنية السودانية، على سبيل المثال، لعبت دورًا كبيرًا في نشر ثقافة الوعي والحب والانتماء، من “أنا سوداني” إلى “الراكوبة”، كان الغناء أكثر من تسلية؛ كان رسالة.
في الأسواق، في المراكز، في صفحات السوشيال ميديا، نجد لوحات شبابية تنبض بالأمل، وجداريات تحوّل الدمار إلى مشهد تعبيري، وأعمالًا فنية رقمية تحاكي لجوء الإنسان السوداني، وآلام النازحين، وحنين المهجّرين هذه ليست رفاهية، بل مقاومة ناعمة، سلاح أخلاقي ضد الشرور.
يقول أحد الرسامين الشباب في أم درمان:
“حين أرسم، لا أنسى من فقدوا منازلهم، لكني أختار أن أراهم بعيون جديدة، تنشد البقاء لا الانتقام.”
الفن، في جوهره، يعيد تشكيل نظرتنا للعالم. يدفعنا للتأمل، للشفقة، للطرح، للحوار. ومع كل تجربة فنية صادقة، يُنتزع من داخلنا شيء من الوحشية، ويُغرس مكانه شيء من الإنسان.
لذلك، حين نقول “الفن يمنعنا من الشرور”، فنحن لا نبالغ بل نشهد – كل يوم – كيف يمكن لمشهد سينمائي، أو أغنية تراث، أو رقصة على الطبل أن تُصلح ما أفسده الخوف في النفوس..