
إن من مصلحة ندى أن تقصر دعمها للجيش في حدود قناعتها أنه على حق لسحق الدعم السريع، كما هي أمنية البروف، ذلك على اعتبار أنها مع آخرين يرون أن الجيش مؤسسة، ولكن هل هو مؤثث بالوطنية؟، مندري كما يقول د. حسن.
ولكن ندوية ليس من حقها أن تعادي قطاعاً واسعاً من السودانيين الذين يرون أن الحرب الأهلية مدمرة، ومصيرها أن تنتهي عند طاولة التفاوض. ولذلك فهي مخطئة في أن تحدد من الذي يعود لبلاده، ومن الذي يقبر في الخارج.
فالمطربة ندى ليست إلا كذلك، ولو اهتمت بتجويد أعمالها الشعرية، واللحنية، لكان أدعى لها بالرسوخ، عوضاً من أن تقحم نفسها في أمر يدخل ضمن حقوقنا الوطنية بأن لا نضيق الخناق على حقوق المعارضين السياسيين، وعليها الاعتبار من علاقة زميلها البنا الذي ارتبط بتواصل مع كيكل، ووجد التحريم، ولكن لم يمر العام حتى صار سفاح الجزيرة بطلاً وطنياً.
فندى تدخل باب السياسة، وهي خلو من تمحورات الموقف عند السياسي بين عشية وضحاها.
فلو ذاكرت ما كتبه البروف قبل نصف قرن عن ما كتبه عن النحو إلى حساسية جديدة تجاه المبدعين فإنها ستعمق معرفتها باستثنائية الفنانين، هؤلاء الذين يغنون ضد الحرب، ويرون أن الجيش سبب كل الكوارث التي حاقت بالبلد.
وعندئذ فندى لن تؤاخذ الموصلي لمجرد أنه يقف في الحياد، ويدين انتهاكات الجيش الذي يقصف المدنيين بذات إدانته لانتهاكات ابنه الدعم السريع.
وأما إذا قرأت المبذولات الثقافية للدكتور حسن موسى في مقارباته لدور الفنانين الديمقراطيين في تقديم الفن الراقي البعيد عن دعم الأوليغارشية السودانية فإنها سوف تضطر مع مرور الأيام إلى تذوق شعر أبناء الطبقة الوسطى المناضلين الذين يرومون نظاماً ديموقراطياً، ذلك الذي يعلي من قيمة المدنية، ويحط من العسكرتارية الاستبدادية التي سدر فيها البرهان بعد انقلابه المشؤوم.
إن لندى القلعة جمهورها، وطرحها التقليدي، كما لو أن لنانسي جمهورها، واستايلها الحداثي. والتجربتان الفنيتان على حق، وتجد عندنا الاحترام، ما دام أنهما تحققان بعض المتعة لشعبنا الذي يتذوق بدرجات معرفية. ولكن ما نريده من ندى ألا تستعين بالغناء السلطوي لبلوغ المجد الفني، فالغناء لصالح الحكومات ظل خارج الأرشفة الفنية القيمة، فهو دائماً ما ينتهي بعد مراسم دفن الأنظمة القمعية.
أما ما جرى من أمر الأستاذين عبدالله علي إبراهيم وحسن موسى في تصوراتهما عما ينبغي أن تكون عليه الأغنية السياسية، أو الفنان الوطني أو الغناء السياسي، فقناعتنا أن غناء ندى السياسي الذي عده البروف وطنيا فهو في حقيقة الأمر هو غناء يرضي الشريحة المؤيدة للحرب لا أكثر، ولا أقل، ولا يمكن إجمال غنائها ليمثل كل شرائح مجتمعنا الذي انقسم بشراسة حول الحرب.
فندى تغني الآن للسلطة العسكرتارية المستبدة، وهي تحاول مع مؤيديها اختطاف المعاني الوطنية، وتقصيرها في حدود المؤيدين لها لدرجة تمنع فيها عودة الفنانين القحاتة للبلاد، وتجديد جوازاتهم.
إن عودة القلعة للغناء بعد ما رأته واجباً وطنياً للوقوف خلف الجيش تحميساً للقتل تمثل فرصة جيدة لها للاعتبار من حالة الانقسام المجتمعي التي سببتها الحرب.
ولعل هذه الحالة أصابت جمهورها المشتت في فيافي السودان. فلا مجال لندى إذن إلا مراجعة كتاب دور الفن لتعي أن قيمة الفنان في إخلاصه لمقاومة الشمولية العسكرتارية بأشرس ما يكون ما فتئت مؤسساتها تحط بالقيم النقدية للثقافة، والفنون، وتعجز عن خلق الحرية، والسلام، والعدالة.
ونأمل أن تدرك ندى أن سياسي الدكتاتورية جاحدون تجاه الفنانين الذين يدعمونه، وأن تقف على سيرة وردي ألذى غنى لمايو، ومع ذلك لم يسلم من سجن النميري.
صحيح أن نبرة صوت ندى في تسجيلها الأخير ربما يوحي بعدم وفاء بورتسودان نحوها نتيجة لوقفتها الصلبة مع الجيش، ولكن مهما تكن الحقيقة وراء مضمون حديثها عن العودة للغناء فإننا نتوقع أن ندى قد تعلمت من هذه التجربة بأن الفنان أصلاً داعية سلام وسط الحروب الأهلية برغم أن بروبوقندا بورتسودان سلبت عقل كثيرين بعد أن صورتها حرباً للكرامة.
ولو كانت كذلك لما تخلف فنانون كبار من الغناء لتصعيد نارها، وهم أكثر وطنيةً، ولا يشكك أحدهم في حبهم للسودان.
فهناك من الجيل الرائد والوسيط شرحبيل، وعركي، وصلاح مصطفى، ومجذوب أونسه، والجيلاني الواثق، والتاج مكي، وسمية حسن، وعادل التيجاني، وصديق سرحان، وعلي السقيد، أحياء بيننا، وقد كفوا عن دعم الحرب.
وعلى صعيد مجايلي ندى من المغنين والمغنيات فإن غالبيتهم ظلت تؤثر الابتعاد عن دعم الحرب، ومنهم من مثلوا أصواتاً قوية للسلام، والدعوة إلى إنهائها لما تخلفه من دمار في البلد.