
كشفت عملية “سيرينجيتي 2.0” التي نفذتها الإنتربول مؤخرًا حجم انتشار الجرائم السيبرانية في القارة الإفريقية، ما يثير تساؤلات ملحة حول كيفية حماية المواطنين والتنقل الآمن في العالم الافتراضي. فهذه الظاهرة لم تعد محلية أو محصورة في نطاق جغرافي محدد، بل أصبحت عابرة للقارات يصعب رصدها أو ملاحقتها.

نيل جِتون، مدير وحدة مكافحة الجرائم السيبرانية في الإنتربول، أوضح في تصريحات لصحيفة Africanews أن “الجرائم الإلكترونية معقدة للغاية، فقد يكون المجرمون في قارة، والبنية التحتية التي يستخدمونها في قارة أخرى، بينما الضحايا موزعون على مستوى العالم”. وأكد أن مواجهة هذه التهديدات تتطلب تعاونًا دوليًا وثيقًا، مشيرًا إلى أن الإنتربول الذي يتخذ من مدينة ليون الفرنسية مقرًا له ويضم 196 دولة عضوًا، قادر على حشد الجهود العالمية لمواجهة الجريمة المنظمة في الفضاء الإلكتروني.

لكن الحرب ضد الجرائم السيبرانية لا تقتصر على العمليات الأمنية العابرة للحدود، بل تشمل كذلك بناء أنظمة حماية يومية على المستوى الحكومي. في هذا السياق، تقول نينّا إيفياني-أجوفو، أستاذة القانون والتكنولوجيا في جامعة ليدز: “حماية البيانات أمر أساسي، وعلينا أن نكون صريحين بشأن واقعنا الحالي في إفريقيا فيما يتعلق بحماية بيانات المواطنين”.
الاتحاد الإفريقي كان قد تبنى “اتفاقية الأمن السيبراني وحماية البيانات الشخصية” عام 2014، لكنها لم تدخل حيز التنفيذ إلا في يونيو 2023. ورغم طموحها الكبير في معالجة قضايا واسعة من التجارة الإلكترونية إلى حماية الأطفال من الاستغلال عبر الإنترنت، لم تصادق عليها سوى أقل من 20 دولة من أصل 55 دولة عضو في الاتحاد الإفريقي، ما يعكس فجوة واضحة بين التشريعات والالتزام الفعلي.

وترى إيفياني-أجوفو أن القارة بحاجة إلى “إنفاذ قائم على الإجراءات القانونية السليمة” لمكافحة الجرائم الإلكترونية، مع تعزيز “التمكين والمساءلة وبناء القدرات لدى الأفراد”.
وبينما تتسارع وتيرة التحول الرقمي في إفريقيا، يظل التحدي الأكبر هو مواءمة هذا التحول مع ضمان أمن المعلومات وحقوق الأفراد، في مواجهة جرائم سيبرانية لا تعترف بالحدود ولا بالسيادة الوطنية، الأمر الذي يضع القارة أمام مفترق طرق: إما تعزيز التعاون الدولي والتشريعات الداخلية، أو مواجهة تصاعد مستمر لتهديدات قد تعرقل طموحاتها التنموية.