السودان: على مفترق الطرق.. بين أطماع الجوار وحكومة “تأسيس”… هل يقترب سيناريو التقسيم؟
تقرير - رشا رمزي

تعيش السودان واحدة من أكثر مراحله التاريخية تعقيداً، إذ تتقاطع أزماته الداخلية مع أطماع الجوار، في وقت تتصاعد فيه الهواجس من أن تنزلق البلاد مجدداً إلى مسار التقسيم. شرق السودان يمثل اليوم ساحة صامتة لكنه على صفيح ساخن؛ تغيرات ديموغرافية عميقة بفعل توطين الإرتريين، تصاعد نفوذ مليشيات مدربة في أسمرا، وازدياد التوتر بين القبائل المحلية، كلها عوامل تجعل الإقليم عرضة للاشتعال في أي لحظة. تصريحات الرئيس الإرتري أسياس أفورقي عن كسلا باعتبارها “مستعمرة إيطالية” زادت من المخاوف بشأن أطماعه القديمة في دلتا القاش وطوكر، بينما يظل سكان المنطقة في مواجهة مباشرة مع هشاشة أمنية وتهديدات طبيعية كالفيضانات التي تضرب مدينة طوكر.

وفي موازاة هذا المشهد، جاء إعلان تحالف “تأسيس” من دارفور عن تشكيل حكومة موازية بقيادة محمد حمدان دقلو (حميدتي) ليزيد من تعقيد الصورة. فبينما تقدم الوثيقة التأسيسية للحكومة نفسها باعتبارها مشروعاً للوحدة والسلام، فإن الخطوة عملياً تؤسس لانقسام سياسي وجغرافي، وتفتح الباب أمام واقع شبيه بما حدث قبيل انفصال جنوب السودان. القوى الدولية، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تنظر بحذر شديد إلى هذه التطورات؛ فهي تدرك أن استمرار الحرب وتعدد الحكومات المتنازعة على الشرعية سيجعل من خيار تقسيم السودان أمراً مطروحاً، وإن لم يُعلن رسمياً بعد.

التجارب السابقة تثبت أن المجتمع الدولي يتعامل مع الأزمات السودانية ببراجماتية باردة. فقد قبل بانفصال الجنوب عام 2011 بعد أن وصل النزاع هناك إلى طريق مسدود، واليوم تتكرر الملامح نفسها في الشرق ودارفور. لكن القوى الدولية تبدو أقل حماسة لتقسيم جديد خشية أن يفتح الباب أمام تفكك كامل للدولة السودانية إلى كيانات متعددة، وهو سيناريو يحمل تهديدات مباشرة للاستقرار الإقليمي في البحر الأحمر والقرن الإفريقي، حيث تتشابك المصالح الغربية مع التنافس الروسي والصيني.

غير أن خطورة اللحظة تكمن في أن هشاشة السودان الداخلية باتت نقطة ارتكاز لمشاريع الجوار الطامعة. إريتريا تجد في تفكك الشرق فرصة لإعادة رسم حدودها على حساب كسلا والقضارف، وإثيوبيا تراقب عن كثب ضعف الدولة المركزية بعد أزمة سد النهضة، بينما تظل تشاد وليبيا حاضرتين في معادلات دارفور الملتهبة. وفي ظل غياب مشروع وطني جامع، فإن هذه التدخلات قد تعزز النزعات الانفصالية وتضع المجتمع الدولي أمام خيار “التقسيم كحل مؤقت” لوقف الحرب.

إن إعلان حكومة “تأسيس” ليس مجرد خطوة سياسية في مواجهة سلطة بورتسودان، بل هو مؤشر على أن السودان بات يدار عملياً وفق خرائط متوازية، تتقاطع فيها الولاءات المحلية مع مصالح الجوار ومع حسابات القوى الدولية. وبينما يتطلع السودانيون إلى وقف الحرب واستعادة الحكم المدني، يبقى السؤال الأكثر إلحاحاً: هل يتجه السودان إلى سلام يعيد بناء وحدته، أم أن الحرب ستفتح الباب واسعاً لتقسيم جديد يعمّق جراحه المفتوحة؟.