مقالات

عقد الوكالة تحت المجهر: بين حرية الإنهاء وحدود التصرف

أسامة رقيعة (*)

الوكالة عقد يقيم الموكل بمقتضاه شخصًا آخر مقام نفسه في تصرف جائز ومشروع، مثل أن يوكل الشخص شخصًا آخر على بيع أرض يملكها أو توقيع عقد أو حتى مباشرة مفاوضات أو شراء قاطرات . والأصل في الوكالة، أنها تجوز بأجرة أو بغير أجرة. فإن كانت بأجرة فحكمها هنا حكم الإجارة، وإن كانت بغير أجرة فهي معروف وتفضل من الوكيل.

من أهم خصائص عقد الوكالة، أنه عقد غير لازم بمعنى أنه يجوز للموكل، في أي وقت يشاء أن يعزل الوكيل أو يلغي الوكالة، كما هو متعارف عليها في سياق الأعمال، كما يجوز للوكيل أيضًا أن يتنحى عن الوكالة، وقت ما يشاء، حتى لو كان قبل إتمام التصرف أو حتى قبل البدء فيه، غير أنه في كل الأحول؛ أي في حالة الإلغاء من الموكل أو التنحي من الوكيل، يجب أن يتبع في ذلك الإجراء النظامي، وبما أن الوكالة يتم إنشاؤها بالتصديق والتوثيق أمام الكاتب العدل، فإن إلغاء الوكالة أو التنحي عنها يجب أن يتم على ذات نسق الإنشاء، بأن يتم إخطار الطرف الآخر بالإلغاء أو التنحي، عبر إخطار موثق لدى الكاتب العدل، وليس هذا فحسب بل يجب أن يتم إعلان الطرف الآخر بهذا الإلغاء أو التنحي عبر معلن الكاتب العدل والاحتفاظ بمحضر التبليغ الأصل أيضًا.

وعلى الوكيل أن يعلم أنه يعمل لحساب موكله لا لحسابه الشخصي، وبالتالي عليه الإخلاص ومراعاة مصالح موكله، وكثيرًا ما يتساءل المتعاملون عن الفرق بين الوكالة العامة والوكالة الخاصة، والوكالة بالخصومة والوكالة بالتقاضي، وهل منح المحامي توكيلًا عامًا بالتقاضي يمنح المحامي الحق في التصرف في أمواله وممتلكاته وحساباته البنكية

إن الوكالة العامة هي وكالة لا تقيد الوكيل بنوع محدد من التصرفات، بل يكون فيها الموكل قد أقام الوكيل مقام نفسه في كل شيء حتى الزواج والطلاق، وهي وكالة خطرة لا شك، ولكن حتى تكتسب الوكالة صفة العمومية، يجب أن تكون واضحة وصريحة في ألفاظها لكل مهمة موكلة للموكل، فإذا كان لفظها عامًا، ولكن لم يقترن بالوضوح في اللفظ، فالوكيل هنا يكون له حق الإدارة والحفظ فقط، دون التصرفات، فإذا وكل شخص شخصًا ما، وذكر أنه يقوم مقام نفسه في كل شيء، وكان الموكل هنا ممن يملكون العقارات والأبنية، فإن الوكيل هنا يكون له حق إدارة هذه العقارات والأبنية وحفظها وصيانتها، ولكن لا يكون له حق بيعها ولا رهنها؛ لأن لفظ التصرف هنا لم يرد في الوكالة على نحو صريح وأوضح. وقد قلّص قانون المعاملات المدنية الإماراتي من نطاق الوكالة العامة، حيث نصت المادة 927 منه على أن كل عمل ليس من أعمال الإدارة والحفظ يستوجب توكيلًا خاصًا محددًا لنوع العمل، وما تستلزمه الوكالة فيه من تصرفات .

أمّا الوكالة الخاصة فهي التي تقتصر على أمر أو أمور معينة، فيختص بموجبها الوكيل، بما جعل له الموكل من قبض أو بيع أو غير ذلك. على نحو التحديد والحصر وفي حالة الوكالة الخاصة، يجوز أن يمارس الوكيل كل الأمور المسندة إليه صراحة في الوكالة، إضافة إلى كل أمر تابع وضروري لإنجاز ما أسند إليه متى اقتضت ذلك طبيعة العمل أو اقتضاه العرف الجاري، وغير ذلك لا يجوز للوكيل.

ومن أكثر أنواع الوكالات شهرة، هي ما يُمنح للمحامين أو من في حكمهم من توكيلات تمنحهم سلطة القيام بالأعمال والإجراءات اللازمة، لرفع الدعوى ومتابعتها، أو الدفاع فيها، واتخاذ الإجراءات التحفظية، إلى أن يصدر الحكم في موضوعها في درجة التقاضي التي وُكِّل فيها، وإعلان هذا الحكم، وقبض الرسوم والمصاريف دون إخلال، بما أوجب فيه القانون تفويضًا خاصاً. وهذه ما تعرف بوكالة التقاضي، وهي لا تتضمن التصرفات فيما يملك الموكل، ولا حتى إدارتها، ما لم ينص على ذلك صراحة.

وبشكل عام على الموكِّل قبل التوقيع والتصديق على الوكالة أن يدرسها جيدًا، ويتفحص عباراتها، على ضوء مقصده واختياراته التي دفعته لإنشاء الوكالة، وأن يتأكد أن عباراتها واضحة وتدل وتعبِّر عن مقصده وإرادته فعليًا، كما عليه أن يتبصر في اختيار وكيله، بحيث يكون كفؤًا وذا قدرة على القيام بما أوكل إليه، وأن يكون مخلصًا أمينًا كتومًا للسر، فبعض المهام تقتضي ذلك، والأهم من ذلك أنه متى ما قرر إنهاء عقد الوكالة هذا أن يتبع الإجراء المرسوم من حيت توثيق الإلغاء وتبليغه للطرف الآخر، عبر معلن الكاتب العدل، والاحتفاظ بأصل محضر التبليغ، على نحو ما ذكرنا في صدر هذا المقال.

الوكالة عقد مرن لكنه حساس، يُسهّل الكثير من المعاملات، لكنه قد يصبح أداة للمساس بالحقوق إن أُسيء استخدامه أو أُهمل توثيق نهايته. لهذا، فإن الإلمام بجوانب هذا العقد أمر حيوي لكل موكل ووكيل.

قانوني وكاتب روائي سوداني (*)

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى