منوعات

من ذاكرة التاريخ.. إدريس الأمير صوت سواكن المعتق!!

مشاوير - حافظ ربك

اسمه الحقيقي هو إدريس الخليفة على نور ، نشأ وترعرع بمدينة بورتسودان بحي ديم المدينة في العام 1945م ، تلقى تعليمه ودرس الكُتاب في خلوة سوركتى بزاوية مكاوي – درس الأولية بمدرسة ديم عرب الغربية – الثانوي بمدارس الأقباط الأرثوذكس ، عمل ضابط ثقافة وإعلام بأمانة الثقافة والإعلام بولاية البحر الأحمر .

إدريس الأمير شاعر وملحن ومغنٍّ ، وله العديد من التسجيلات بالإذاعة والتلفزيون ، ومن أشهر أغنياته سواكن ، الزاهر في زيك وتحية من الشرق ، وأنا صابر على الصبر ، وأخريات . 

يكاد يكون الفنان الراحل المقيم الأستاذ إدريس الأمير ، أول من نقل إلى السودانيين وذاكرة الغناء السوداني مدينة سواكن ، أغنية شفيفة ، أداها بصورة رائعة ، هي من الأغنيات التي لا تموت أبداً ، كلما استمعت إليها وجدت نفسك تعيش في عوالم من الطرب الجميل ، بها من الحميمية والمحبة لمدينة سواكن ما تشعره في كل كلمة وكل حرف ، لحنها بسيط جداً ، لكنه مفعم ومليء بالشجن ، يحفظ الناس لإدريس هذه الأغنية ، ويكاد لا يعرف أحد له أغنية أخرى ، غير أنه ولو لم يغنِّ سوى تلك الأغنية لكفته ، والغريب أن إدريس نشأ بمدينة بورتسودان ، لكنه أحب سواكن بشكل عجيب . 

شهدت الأغنية السودانية عبر تاريخها الطويل ، العديد من الأسماء النادرة التي لم تجد حظها من الاهتمام والتوقف المتأمل في حال تجاربها . ولعل الفنان الشهير إدريس الأمير واحدٌ من تلك النماذج التي لم تجد الاهتمام الكافي ، حيث ظلّت سيرته الذاتية مجهولة وغير معروفة للكثير رغم أن للرجل إبداعاً كبيراً تجاوز به جغرافيا الشرق الحبيب واستطاع أن يعبر بصوته الجميل إلى كل ربوع السودان .

عندما وقف الفنان إدريس الامير للمرة الأولى أمام لجنة النصوص والألحان بالإذاعة السودانية التى تضم فطاحلة الشعر و الموسيقى . لإجازة أغنية سواكن وقد جرت العادة أن يقرأ مقرر اللجنة القصيدة المراد اجازتها ليتم التداول حولها بعد ذلك . ما ان قال المقرر ( صب دمعي و انا قلبي ساكن ) حتى قاطعه الشاعر الكبير إبراهيم العبادي قائلا : ( القصيدة دى ما مجازة ) وسط دهشة و استغراب أعضاء اللجنة طالبين منه التريث حتى اكمال القراءة . فرد عليهم بقوله ( يعني هسع لو فى حمار مدّ راسو بالشباك دا نقول لا دا ما حمار لحدى ما يجى خاشى بالباب و نسوف ضنبو ) . ثم توجه بالحديث للفنان إدريس الامير ( كيف يا ابني دمعك يصب وقلبك ساكن ؟ ) . تلك كانت أعصب و أصعب لحظة فى حياة إدريس الامير الفنية التى امتدت زهاء النصف قرن من الزمان . رغم ذلك الانتقاد البالغ القسوة . و من رجل بحجم وفي قامة إبراهيم العبادي إلا أن اللجنة أجازة الأغنية نصا ولحنا.

 وظلت أغنيته (سواكن) واحدة من أيقونات الغناء في السودان حيث عبرت تعبيراً عميقاً ودقيقاً عن مدينة سواكن.

صب دمعي وأنا قلبي ساكن

حار فراقك ناري يا سواكن

السكونك وسط البحور يا سواكن

كنت جنة ومليانة حور يا سواكن

ليك ماضي مدى الدهور يا سواكن

بيهو شعبك دايما فخور يا سواكن

في ربوعك شامخات قصور يا سواكن

بتحكي مجدك عبر العصور يا سواكن

الجبابرة الهبت تثور يا سواكن

بقيادة دقنة الجسور يا سواكن

لما صابك جور السنين يا سواكن

وهجرنا العش الأمين يا سواكن

وريث ديارك أصبح حزين يا سواكن

يبكي بالدمع السخين يا سواكن

أثارك في كل حين يا سواكن

ذكرى دايما للخالدين يا سواكن

الشناوي قصرو المتين يا سواكن

يبدو عظمة للناظرين يا سواكن

كان الفنان الراحل ادريس الأمير صاحب صوت قوي يتمتّع بمساحات شاسعة وخيال أدائي مبهر ، ذو تجربة نادرة في الجمع بين المواهب الثلاث الكتابة والتلحين والغناء في تاريخ الفن السوداني . 

ومن بعد سواكن توالت أغنياته وأعماله التي اشتهر بها وسبقته إلى عاصمة الأضواء الخرطوم تماماً كما فعل صديقه الراحل صالح الضي والذي سمع عنه الناس (يا جميل يا حلو ، الدم الشربات مكملو) و(اوعك تخلف الميعاد وانت عارف شوقي كم) ، وبدأوا في ترديدها وهو لم يفارق بعد ورشة النجارة التي كان يعمل فيها بمدينة بورتسودان .

عرف الناس ايضا عن إدريس الأمير (زاهي في زيك في وسامتك ، ما نحن عايشين على ابتسامتك) و(انا صابر على الصبر وانت عارف ، نار الصبر زي الجمر وانا خايف) وغيرها الكثير والكثير من الأغنيات الرائعة التي شكلت مع رصيفاتها الأخريات لحسين بازرعة وفاروق محمد صديق وصالح الضي وعبد الرحيم الشامي وكابلي ومن بعدهم حيدر بورتسودان وعادل مسلم ومحمد البدري ملمحاً مختلفاً لجغرافيا الأغنية السودانية .

قال إدريس الأمير ذات مرة انه استمع للراحل ابراهيم عوض لأول مرة من الاذاعة السودانية وكان وقتها في احدى قرى جنوب طوكر واظنها ان لم تخني الذاكرة قرية (عدوبنا) وكان وقتها صبياً يافعاً في اولى عتبات التعليم ، وكانت تلك القرية حديثة عهد بالراديو الترانسستور وتحلق اهل القرية جميعهم حول ذلك الراديو ، تلك المعجزة التكنولوجية المحيرة بمعطيات ذلك الزمان ، وكان هو من بينهم ، لكنه كان مشدوهاً ومجذوباً الى شيء آخر لا يقل إعجازاً عن اختراع الراديو ، صوت الراحل ابراهيم عوض وهو يغني :

حبيبي جنني وغير حالي

حير فكري ده الشغل بالي

قول لي اوعي تخبي

اهواك شاهد ربي

انا لو غلطت معاك

سامحني واغفر زنبي

بريدك والله بريدك

لو سقيتني السم بي ايدك

سمك شفاي ودواي

يا طبيب تعال لي مريضك

حليل الريدة البينا

حايل مجلسنا يا حايانا

فرقتنا ما اتلمينا

ومن يومها انشغل بال الامير بالغناء وسحره وعوالمه إلى ان رحل عن هذه الدنيا عام 2007م ، وفيه شيء من سحر ابراهيم عوض ، ودستور حي العرب ام درمان من لدن ود الريح وأولاد الحاوي وميرغني المامون وأحمد حسن جمعة والتاج مصطفى وحسن عطية مروراً بكل نوابغ ام درمان القديمة في ذلك الزمان ، وكذلك نداوة البحر وحنين بورتسودان ، والأهم سحر سواكن وأساطيرها وجنها وانسها من لدن سليمان عليه السلام .

وقد كان ذلك الخيار صعباً عليه وعلى أسرته التي كان على رأسها والده الخليفة علي نور أحد أهم أعيان مدينة بورتسودان في ذلك الزمان ، وأحد أهم أعمدة الطريقة الختمية والحركة الاتحادية ، وبين ظهرانيهم خلوة القرآن الكريم في حي ديم المدينة العريق ، شمال سوقها القديم ، تلك الخلوة التي بدأ منها تعلُّم الحروف وفنون النغم وتوازن الإيقاع مفرداً أو بصحبة أقرانه على هيئة فرقة أو جوقة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى