مقالات

عالم عباس وجيله، عفوا (2/2) 

 صلاح شعيب

نعم الزمن كفيل بكبح جماح بحث، وحماس الأجيال المتعطشة لأداء دور وطني، وللكشف عن قدراتها على تجذير الإبداع، والتبديع. 

وحتى المشتغلين في السياسة شوتهم جمرات البحث عن دور في الاسهام المجتمعي. 

وتراهم يهيمون من واد إلى آخر. بعضه ليس بذي زرع، أو ثمر، وإنما حصرم. فأبناء جيلنا، وما قبلهم، من الإسلاميين، والبعثيين، والشيوعيين، والذين كانوا يتطرفون في مواقفهم نلاحظ الآن أنهم يميلون أكثر إلى نوع من الهدوء في النظر إلى الواقع. 

وهكذا نسهل أمر قراءة الواقع وما يتكتب عنه من فكر، وأدب، وشعر. بل إننا أحيانا نعيد قراءة موسم الهجرة إلى الشمال، وقصائد السياب، والاستماع إلى “عازف الأوتار” التاج مصطفى وملهمته، وصخرة” العاقب وحبيب عمره. 

وهكذا نقارن “موت دنيا” و”إنهم بشر” و”من نافذة القطار” وإنداية” الطيب محمد الطيب بمعارف جديدة اكتسبناها مع مرور الزمن. 

وهذه هي خاصية شغل الثقافة، وقدرته على الانفتاح. وهذا الشغل ليس سوى إعادة تجديد لمعيار النظر النقدي باستمرار. 

ومن هنا يبقى تحول الكتاب من موقف إلى آخر أمرا طبيعيا، ومن حدة وتطرف في النظر إلى تمهل في اصدار الاحكام القيمية أمر متوقع. وربما لاحظنا أن عددا من النقاد البنيويين، والمنبهرين بقصيدة النثر، والمؤمنين بمسرح التجريب، والمخاصمين للحروفية التشكيلية التي يقضي فيها البروفسير شبرين، أو الراحل حسن الهادي، أو عتيبي، سحابة يومهم قد عادوا الآن إلى تقديم أعمال تستفيد من جماع التجربة الإنسانية في هذه المجالات حتى يؤكدوا خصوصية عملهم، وتجذره على تربة الخصوصية التي لا بد أنها مطلوبة في الذات المبدعة. 

ومرة قال لي شبرين: “..شايف حسن موسى بيقدم حاجات بديعة في “الحروفية” التي نازعنا بحدة حول ضروراتها التي حكمتنا”!. 

ومع ذلك ما تزال الرؤية إزاء الجمالي الثوري، أو الثوري الجمالي، ما تزال تحكم جيلنا، وبعضا من الأجيال الماضية، وكثيرا من أبناء الجيل الجديد. ما كانت أولوية كثيرين منا وستظل فصل الجمالي عن المعرفي إلا بعد أن تقادمت سنوات حياتنا لنعيد قراءة التجارب الابداعية التي هضمنا أشكالها، ومضامينها. 

بل ونشكك فيها بمفاهيم ديكارت، وجاك لينهارت، وتشومسكي، في إطار محاولات الجرد بناء على معارف الحداثة، وما بعد الحداثة. 

ولكن بالرغم مما مثله حصاد مصطفى، وعركي، ومحمد الامين من ارتباط بالثوري، والجمالي، إلا أن ذلك قد حبسنا في منطقة حرمتنا من معرفة الإضافات الموسيقية التي بذلها الملحن البرنجي أحمد زاهر وحده. فعلى لحنه استندت بدايات الجابري، وعركي، وزيدان، ولمنى الخير، وآخرين. 

والجابري نفسه أضاف كما، وكيفا. خصوصا في أعمال “هات يا زمن”، و”الجريف واللوبيا” للصادق إلياس. 

وهناك عمر الشاعر، وعبد اللطيف خضر، ومابيلا أميقو، وزنجران عبد المعين. 

ومع الزمن صرنا نعيد الموقف، ونراجعه، ونقاربه، حول الجانب الجمالي الذي احتوته قصائد عالم عباس، وترجمات وكتابات د. أحمد الطيب في الثقافة، وترجماته المسرحية، وفرنقبية مريم أمو وعبده كيوكا، وطمبور بلاص، و”لالاية وبعيبيشة” الكردفاني القح صديق عباس، والتنقيب في مغارة عبد السلام نور الدين الفلسفية، وكريستالية كمالا وشداد، وإضافات ناجي القدسي في مقامات اللحن السوداني. 

بل عدنا لنجد أن حقيبة ود الرضي الذي ما كان من اولوياتنا كانت تستبطن “در ومدام”:

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى