تقارير

السودان: هل يتكرر السيناريو الليبي؟ صراع الحكومتين.. مخاوف الانقسام ومشاريع التسوية في مهب الفوضى

تقرير - رشا رمزي

في مشهد سياسي وأمني يعيد إلى الأذهان فصول انهيار الدولة الليبية، تتجه الأزمة السودانية بخطى متسارعة نحو مزيد من التعقيد، مع إعلان تحالف “تأسيس” عن تشكيل حكومة انتقالية موازية مقرها مدينة نيالا، في تحدٍّ واضح للسلطة القائمة بقيادة القوات المسلحة، ما يفتح الباب أمام تكرار سيناريو الانقسام والحرب طويلة الأمد.

الناطق الرسمي باسم الجيش السوداني، العميد الركن نبيل عبدالله، وصف الخطوة بأنها “تمثيلية سمجة” يقودها “خليط مشوه من الجهلة والعملاء ومجرمي الحرب”، مؤكدًا أن تشكيل هذه الحكومة ما هو إلا محاولة يائسة لشرعنة مشروع ميليشياوي مدعوم خارجيًا، هدفه السيطرة على الحكم عبر القوة لا الشرعية.

وأشار المتحدث العسكري إلى أن ما يسمى بحكومة “تأسيس” تسعى لخداع حتى شركائها، مؤكدًا أن طموحات قادة قوات الدعم السريع، وعلى رأسهم محمد حمدان دقلو “حميدتي”، ليست سوى مشروع سلطوي شخصي مغلّف بخطاب شعبوي وعناوين مضللة. وأضاف أن “السودان سيظل موحدًا، رغم التآمر الإقليمي والدولي عليه”.

 

لأول مرة: حكومتان تتنازعان الدولة

وفي تعليقه على هذا التطور الخطير، حذّر القيادي بالحركة الشعبية – التيار الثوري الديمقراطي، ياسر عرمان، من أن السودان يعيش “لأول مرة منذ استقلاله تحت وطأة حكومتين داخل دولة واحدة”، تتصارعان على الشرعية والثروات والسلطة، في سيناريو يكاد يتطابق مع ما جرى في ليبيا بعد سقوط القذافي.

وكتب عرمان في منشور له: “هذا الوضع غير المسبوق يهدد وحدة البلاد، ويفتح الباب أمام الفوضى والانهيار”. ودعا إلى وقف فوري لإطلاق النار لأسباب إنسانية، والانطلاق نحو عملية سياسية تضع الأسس لبناء دولة المواطنة والعدالة والجيش القومي المهني، بدلًا من فرض الأمر الواقع عبر فوهة البندقية.

 

حكومة “تأسيس”: محاصصة جديدة أم تسوية منقوصة؟

حكومة “تأسيس” التي أعلن عنها مؤخرًا تتكون من مجلس رئاسي بقيادة حميدتي، ويضم عبدالعزيز الحلو نائبًا له، ومحمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء. كما ضمّ التشكيل قادة سياسيين وعسكريين بارزين، ووزّعت مناصب حكام الأقاليم على قيادات مختلفة، في ما يبدو أنه محاولة لمحاصصة جهوية جديدة تحت مظلة سياسية.

وفي تصريح، قال حاتم إلياس، عضو تحالف تأسيس، إن الحكومة الجديدة تملك “مشروعًا متكاملًا لإعادة إعمار السودان”، يشمل البنية التحتية والمؤسسات والخدمات، معتبرًا أنها تمثل “مرحلة جديدة للسلام والتنمية”.

 

تحذيرات دولية وشكوك حول النوايا

لكن الدبلوماسي الأمريكي السابق كاميرون هدسون كان أكثر حذرًا، واعتبر أن إعلان حكومة نيالا هو مجرد “محاولة لتجميل وجه ميليشيا غير شرعية”، وأضاف: “مهما ارتدوا من ربطات عنق، يظلون قتلة مدججين بالسلاح”. واعتبر هدسون أن الخطوة تهدف إلى إضفاء مظهر رسمي على قوات الدعم السريع تمهيدًا للمفاوضات، لكنّها مكشوفة ولا تخدع المجتمع الدولي.

هدسون كشف أيضًا عن محادثات مرتقبة في واشنطن تضم دول الرباعية الدولية (أمريكا، السعودية، مصر، الإمارات)، إلى جانب قطر وبريطانيا، بهدف الضغط لوقف إطلاق النار وبدء تسوية سياسية، إلا أن مصادر دبلوماسية تحدثت عن خلافات بشأن تمثيل القوى السودانية، في ظل إصرار القاهرة على إشراك الجيش ورفض واشنطن لذلك.

 

صراع داخل التحالفات المعارضة

من جهة أخرى، اتهم خالد عمر يوسف، نائب رئيس حزب المؤتمر السوداني، قوى النظام السابق بمحاولات مستميتة لإفشال أي تسوية، مشيرًا إلى “حملات هستيرية” تنفذها قيادات المؤتمر الوطني لإفشال اجتماعات واشنطن المرتقبة.

وأكد يوسف أن هذه القوى لا تبحث عن السلام أو الاستقرار، بل ترى في الحرب وسيلة لعودة نفوذها السياسي، معتبرًا أن مشروعهم يقوم على تحطيم الثورة وتحريف مسارها الديمقراطي. وهاجم تصريحات أحمد هارون التي عرض فيها دعم الجيش واستفتاء شعبي لتحديد القائد، معتبرًا أنها تهدف لزعزعة الجيش من الداخل.

أما محمد الفكي سليمان، عضو التحالف المدني “صمود”، فقد قال إن “المؤتمر الوطني” يسعى جاهدًا لإجهاض مساعي الرباعية، كما فعل سابقًا مع مبادرات جدة وجنيف والمنامة، مضيفًا أن الإسلاميين يدركون أن الظروف الإقليمية والدولية لا تسمح بعودتهم، لكنهم يناورون لتحقيق مكاسب سياسية على حساب دماء السودانيين.

 

مناوي: تقاسم للجرائم

وعلى نحو لافت، قلّل حاكم دارفور مني أركو مناوي من أهمية إعلان “تأسيس”، وكتب عبر صفحته: “ما سمعته لا يستحق التعليق سوى أنه تقاسم للانتهاكات بين الميليشيا وشركائها”، في إشارة إلى انتهاكات الدعم السريع في دارفور وغيرها.

 

إلى أين يتجه السودان؟

الأوضاع في السودان تزداد تعقيدًا، والحرب المستمرة منذ أبريل 2023 حصدت آلاف الأرواح، وشردت الملايين، ودمّرت البنية التحتية في عدد من الولايات. والآن، يبدو أن تشكيل حكومة موازية قد يعمّق الانقسام، ويُفشل الجهود الإقليمية والدولية الرامية لإنهاء الصراع.

في ظل هذه الصورة القاتمة، يبقى السؤال مفتوحًا: هل يسير السودان نحو تكرار السيناريو الليبي بكل ما يحمله من فوضى وتشظٍّ وانهيار للدولة، أم أن إرادة شعبه كفيلة بكسر الدائرة الجهنمية للحرب؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى