مقالات

إبراهيم تراوري .. “ريشة البرق”

عبد الجليل سليمان

ولد إبراهيم تراوري في بلدة بانو، حيث التربة حمراء كالقلوب حين تخفق للعدل، والريح تهدهد الحقول بسكون يشبه الحذر. لم يكن الابن النحيل لجندي سابق ولأمٍ تحيك الحروف والأرقام على سترات التلاميذ الصغار في مدرسة فقيرة ؛ إلّا صفحة بيضاء في كتابٍ ترسُم عليه بوركينا فاسو أحلامها بالمقلوب.

التمرد الهادئ

لم يرفع تراوري بندقيته ليخيف، بل ليحرس الحلم حين يرتجف. انضم إلى الجيش لا حباً في الانضباط، بل شوقاً إلى الفعل. وسرعان ما بدأ يتميز وسط زملائه، لا بكثرة الطلقات، بل بندرة الكلمات. 

في معركة الشمال، كان آخر من ينام، وأول من ينقذ جريحاً.

كما تقول حكمة بوركينية: “الأسد لا يعلن عن زئيره، يكفي ان يحمحم قليلاً فتمشي الغابة على رؤوس أصابعها.”

وهكذا كان تراوري… لا يحتاج أن يصرخ، يكفي أن يهمس كي تصغي البلاد.

شمس جديدة

في 30 سبتمبر 2022، دحرج القدر حجر الدومينو الأخير. أطاح تراوري برفيقه السابق في السلطة، ليس حباً في الكرسي، بل رفضاً لبيع الوطن بثمن الأمن الزائف. أعلنها بلا تردد: سنستعيد السيادة أو نموت في الطريق.

ويقول أهل بوركينا: “من لا يشعل ناره بنفسه، سيموت بردًا.”

وقد أشعلها تراوري، لا لتدفئة نفسه، بل ليرى بها شعبه الطريق.

رصانة الثورة

لم يتوعد، لم يعنّف، لم يُشهِر خنجراً في وجه التاريخ. بل وضع علم البلاد على طاولة الخبز، وقال لشعبه: إن أردتم الكرامة، فاحرسوها أنتم، لا المرتزقة. فتح أبواب الحوار مع النقابات، وغضب من رجال الأعمال حين أرادوا رشوة التغيير.

الأمل الحافي

يرتدي البزة العسكرية وكأنها عباءة صلاة. يتجول بين القرى دون موكب. يمد يده لطفل يبيع الماء، ويطمئن على أمٍ أرّقتها الفواتير. شعبه لا يهتف باسمه، بل يهمس به، كما تُهمس أسماء القديسين.

ظل توماس

يشبه توماس سانكارا لا في الملامح، بل في السُحنة السياسية. 

لا يرى باريس قِبلة، ولا الغرب خلاصاً. يرفض قواعد فرنسا العسكرية، ويستعين بجنودٍ من رحم الأرض، لا من فم الاستعمار. أعاد تعريف الوطنية، ليس كشعار، بل كزرعٍ في شرفة الجائعين.

صوت الطين

وحين يتحدث، يبدو صوته كأنه يخرج من طمي النيجر أو رمال مالي أو مزارع وطنه الخضراء ، لا من فم سياسي. يقول ما يفكر فيه الناس، ولا ما يُكتب في الخطابات. 

وفي كل تصريح، خيط من نور، وموجة من شك، وعصف من يقين.

ختام النبوءة

لا أحد يعرف إلى أين يمضي تراوري؛ لكنه يمضي. كما السحابة التي تعرف متى تمطر. 

هو ابن اللحظة، لكنه لا يركبها، بل يقودها. وإن سقط، فسيكون ذلك كما تسقط النجوم: تحترق لتضيء للآخرين طريقًا أقصر نحو الغد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى