
في طفولتنا، اقترح عادل إلياس، شقيقي الشهير جهة الثورات، بلقب (قسيس)، وكان أكبرنا، علينا أنا ونزار التجاني (نيش)، أن نعمل عصابة. وافقنا بحماسٍ طفوليٍّ وثقةٍ عاليةٍ إنّه معنا كشخص كبير.
المهم، جا (ود برقو) ، سائق عجلة العيش الزمان ديك، وهو يقود الدراجة يشب شَبًّا حتى يصل للبدّال، فقال لينا: “ثبّتوا الزول ده!”
وقفنا ليه: “ثابت يا زول! ثابت يا زول!”
رمى العجلة، وجلدنا ليك جلد نظيف.
ونحن في خضم اللبع والكفت نكورك لقسيس، قائد العصابة، عشان يجي ينجدنا، اتّكأ في الحائط، وانفجر في ضحكٍ عالٍ على ورطتنا الإتورّطناها، ولا اشتغل بنداءاتنا المتوسّلة.
في الآونة الأخيرة، وضح جليًّا إنّ السياسة الأمريكية أعادت النظر في كلفة علاقاتها مع إسرائيل، بينما الدول الخليجية: السعودية، والإمارات، وقطر، لعبت بذكاء لتقليل هذا الاهتمام، ووضع نفسها في مكانٍ متقدّمٍ للمصالح الاستراتيجية لأمريكا في المنطقة، ضمن حالة شراكة استراتيجية.
لاحظ الدور القطري في أفغانستان، والدور السعودي في سوريا، والحركة الاقتصادية الإماراتية مع دورها في مناطق كثيرة في الشرق الأوسط وأفريقيا ودورها في إسقاط نظام القذافي.
بينما أصبحت إسرائيل بمثابة حرجٍ دوليٍّ لأمريكا بسياساتها وفُحشها العسكري.
أي، بينما كانت الدول العربية التي ذكرناها، بما فيها مصر، تتحمّل كلفة تغييرات كبيرة على مستوى الأفكار والسياسات، كانت إسرائيل ترتكز على الرؤية الماضوية الدينية، وتلعب على وتر “واحة الديمقراطية والحريات في محيطٍ من الاستبداد”، دون أن تنتبه إلى أنّ محيط الاستبداد المعادي أصبح أكثر مرونةً منها في قضايا وتعقيدات الشرق الأوسط.
في هذه الحرب، يبدو لي أنّ أمريكا تلعب على الحبلين:
إجبار إيران على التخلي عن طموحها النووي، وفتح أسواقها للاستثمارات الأمريكية، وضمان تعاونٍ طبيعي.
ومن جهةٍ أخرى، تحجيم الدور الإسرائيلي ليبدو أكثر استعدادًا للقبول بحلّ الدولتين، وتفكيك اليمين الإسرائيلي،
الذي يبدو أنّ جماعة الفقيه في إيران أقل تطرفًا منه.
بمعنى أنّ هذه الحرب لا تحمل الفكرة القديمة حول الدعم المجاني اللامحدود من أمريكا لإسرائيل، وإنما انتقلت لمرحلةٍ أخرى أصبح فيها وجود إسرائيل ليس كما في السابق.
وبالعودة لحادثة (قسيس) القديمة، يظهر تمامًا إنّ أمريكا ورّطت إسرائيل في هذه الحرب مقابل ثمنٍ قاسٍ ستدفعه السياسة الإسرائيلية مستقبلًا لصالح السلام في الشرق الأوسط اي ان إسرائيل تشبهنا انا ونيش وقتها بينما أمريكا هي قسيس.
وتحياتي لقسيس، ونيش، ولكلّ من وطأ ثرى ذاكرتنا الحفيّة بين شقلبان والرومي وأغلبهم هنا يضيئون بوجودهم صفحتي وكان اخر الواصلين اليها ( اسامه كالوسا) وهو حكاية أخرى.