رياضة

الراحل كيجاب وسباق جبل الأولياء – التلفزيون ، وتأثيراته على السباحة السودانية

مشاوير - ماجد محمد طلعت فريد

عام ١٩٧٤ عاد كيجاب المحترف من كنداوأعلن انه سيقوم بمحاولة سباحة من جبل الأولياء إلى الخرطوم . وكان هذا الكلام يعتبر ضربا من الخيال لطول المسافه ٥٠ كيلومتر ، ولأنه لم يتم تنظيم سباقات بالنيل الأبيض من قبل ، ويعتبر منطقه مجهولة ، وما قد ينجم عنها من مخاطر علي السباحين من التماسيح وأسماك الكهرباء (البردة) ، والتي يشتهر بها النيل الأبيض.

إعترض إتحاد السباحة علي تنظيم هذه المحاولة ، بفهم أنه إتحاد منوط به تنظيم أي نشاط سباحة ، ولأنه لا يعترف بالسباحين المحترفين .. المغفور لهما باذن الله كيجاب وفضل سليمان بحكم ان اتحاد السباحة بمسمي إتحاد السباحة السوداني للهواة.

تبنت صحيفة الأيام بقيادة الاستاذان كمال طه والمغفور له بإذن الله ميرغني أبو شنب قيام المحاولة ، وتحت ضغط الزخم الكبير لصحيفة الأيام ، واهتمام الرأي العام بهذا الحدث ، الذي لا يخلو من المغامرة ، قام إتحاد السباحة بإعلان أنه سيقوم بتنظيم السباق ، وتم اختيار يوم ٢٥ مايو ١٩٧٤ (أعياد الثوره) لتنظيم السباق.

نسبة للمطلوبات اللوجستية الكبيرة لتنظيم هذا السباق ، تم تأجيله ليوم الجمعة ٣١ مايو ١٩٧٤.

قرر إتحاد السباحة اختيار ٣ سباحين هواة للمشاركة في السباق من واقع نتائجهم في سباقات المسافات الطويلة خلال موسم ١٩٧٤ ، وهم : ممدوح مصطفي/ سمير عبد الكريم/ ماجد طلعت فريد .. كما سمح إتحاد السباحة للسباح سليم سليمان بالمشاركة تحت مسؤليته.

نسبة للإعلام الضخم وتسليط الأضواء علي هذا السباق الاسطوري والذي نشرت أخباره اذاعة ال bbc كأطول سباق يقام في إفريقيا والعالم العربي لمسافة ٥٠ كيلومتر . 

كان هناك عدد ضخم من السباحين يرغب في المشاركة فقرر اتحاد السباحة عمل سباق تأهيلي ، ووضعت ضوابط صارمة بحيث لا ينقص معدل سرعة السباح عن ٣ كيلومتر/ساعة ، ولم يستطيع أي سباح تحقيق هذا المعدل رغم العدد الضخم الذي شارك في السباق التاهيلي ، وعليه اقتصرت المشاركة في السباق علي ٦ سباحين هم : كيجاب ، ممدوح مصطفي ، الأخوين فضل و سليم سليمان ، سمير عبدالكريم ، ماجد طلعت فريد ، إضافة الي سارة جادالله لتسبح من نصف المسافه من طيبة الحسناب.

نسبة لطول مسافة السباق كانت هناك تجهيزات لوجستية غير مسبوقة من إتحاد السباحة بقيادة الأساتذة : عبدالله سليمان ، وعبدالرحمن فقيري ، وفتحي فانوس ، ومحمود خضر واخرين ، حيث تم تخصيص مركب مرافقة لكل سباح حسب لائحة سباقات المسافات الطويلة ، وتجهيز كل مركب مرافقة بعدد ٢ ماكينة بدل واحدة ، وعدد ٢ طقم مجاديف ، بدل طقم واحد ، كما تم تجهيز بارجة من الري المصري (البارجة الأم) ، لتحمل طواقم الإسعافات من الهلال الأحمر واطباء وأفراد من شرطة الحياة البرية للتأمين في حال ظهور تماسيح ، وطواقم سلاح الإشارى لنقل أخبار السباق والصحفيين وممثلوا وزارة الشباب والرياضة ، واداريو اتحاد السباحة ، وذوي السباحين ، بالإضافة للنش سريع ، كان الاسرع في ذلك الزمان بماكينة بقوة ١٠٠ حصان يسمي ‘الراعي’ تابع للكشافة البحرية ، خصص للحكم العام عبدالله سليمان الذي سيراقب السباحين ، بالإضافة لحكم موجود في مراكب مرافقة السباحين -التي كانت حسب اللائحة- تحمل ٣ أفراد : حكم ومرافق وقائد المركب من الكشافة البحرية.

قبل ٣ أيام من السباق أخذ السباحين والمدربين في رحلة لكشف مسار السباق من الشجرة لخزان جبل الأولياء بالبارجة الري المصري.

تم اجراء الكشف الطبي علي السباحين ليل الخميس ٣٠ مايو ١٩٧٤ ، ثم انتقلوا للمبيت بمنزل احد المواطنين بجبل الأولياء.

طوال فترة ماقبل السباق كان كيجاب يقوم بحمله إعلامية تنشر أخبار استعداداته وتدريباته ، وعن خططه للفوز بالسباق متحديا ومؤكدا أنه سيفوز علي البطل الكبير ممدوح مصطفي (في إطار الحرب النفسية) ، والذي كان يسبح بإسم الهلال ، واتجه كيجاب ليسبح بإسم المريخ ، وهنا دخلت جماهير الهلال والمريخ علي خط متابعة أخبار السباق ، وارتفعت مبيعات صحيفة الأيام بشكل كبير نتيجة لمتابعة اخبار السباق واستعدادات السباحين ، والتي كانت الحدث الأهم رياضيا ، كما دخل سباح مدني الشهير ود النقاش علي خط التحديات ، وظهرت له صورة كبيرة بصحيفة الأيام وهو يرفع يده متحديا ، وكان العنوان (جاك بلا يا كيجاب) ! 

 وقبل السباق بيوم كانت الصفحة الرياضية بالأيام عبارة عن صفحة كاملة -بدلا عن نصف صفحة- مخصصة كلها لأخبار السباق وبعنوان كبير (الفرسان السبعة الذين سيخوضون سباق الجبل الرهيب غدا) ، مع نشر صور كبيرة للسباحين وتحليل فني لكل سباح يبين عدد ضربات كل سباح خلال فترة السباق المتوقعه ، ومعدل تحمل السباحين وما يمتازوا به من سرعة و تحمل.

صبيحة يوم السباق أصر المغفور له ود النقاش -سباح مدني الشهير- علي المشاركة في السباق ، وتم منعه من النزول للماء بواسطة الشرطة المرافقة للحدث وهو يبكي ويصر علي المشاركة.

يوم السباق عقب صلاة الفجر مباشرة تحرك السباحين لخزان جبل الأولياء ، وبدأت أطقم المرافقين بتشحيم السباحين لتقليل الاحتكاك بين اجزاء الجسم خلال السباق ، وكان لا يزال الظلام دامسا ، وعندها نظر كيجاب ناحية المياه الواسعة لبحيرة السد وقال قولته المشهورة (تحسبو لعب) في محاوله لترهيب المنافسين.

مع بروز اول خيط للفجر بدا السباق الساعه الخامسة وربع فجر يوم ٣١مايو ١٩٧٤ من خزان جبل الأولياء وبعد ساعة من بداية السباق عصفت رياح قوية وارتفعت الامواج بشكل كبير وأغرقت مراكب المرافقة لأربعة من السباحين ، عدا مركبي فضل سليمان و ماجد طلعت فريد ، ورغم ذلك أصر كيجاب علي المواصلة ، فتم نقل ما تمكن إنقاذه من معينات السباحين من المراكب الغارقة لبارجة القيادة (الأم) ، التي تسير أمام السباحين لتدلهم علي الطريق غير المطروق وغير الواضح.

نتيجة للمتغيرات اجتمع إتحاد السباحة بالبارجة الأم للتداول حول إلغاء السباق ، حيث أنه من الخطورة الشديدة أن يستمر السباحون بدون مراكب المرافقة لتوجيههم و تزويدهم بالإعاشة ، وهنا أصر كيجاب علي الإستمرار ، مما أجبر إتحاد السباحة علي ان يقرر إستمرار السباق ، علي ان تقوم البارجة الأم بالانتقال جيئة وذهاب لتوجيه السباحين واعاشتهم ، بدلا من مراكب المرافقة التي غرقت.

إستمرت العاصفة الترابية حتي الساعة ١٢ظهرا ، وكان السباحين في ذلك الوقت علي مشارف طيبة الحسناب ، وهي نصف المسافة ، حيث بدأت البطلة سارة جادالله المشاركة.

طوال زمن السباق كان أفراد سلاح الإشارة بالبارجة الأم ينقلون ترتيب ومكان وصول السباحين لأفراد سلاح الإشارة بالإذاعة وتقوم الإذاعة بقطع برامجها وتنقل أخبار السباق كخبر عاجل ، فكان المواطنون يسارعون بالذهاب لشاطئ النيل الأبيّض لمشاهدة السباحين ومؤازرتهم ، مما كان له أكبر الأثر في تشجيع السباحين وحثهم علي الإستمرار.

بدأ وصول السباحون لنقطة النهاية بالتلفزيون أمدرمان مابين الساعة الرابعه حتى الخامسة والربع كانت نتيجة السباق كيجاب الأول ١١ ساعة ، الثاني فضل سليمان ، الثالث سليم سليمان ، الرابع ماجد طلعت فريد ، الذي وصل الساعة الخامسة وربع في زمن ١٢ ساعة ، بينما انسحب كل من ممدوح مصطفي وسمير عبدالكريم من نصف المسافة.

   بشاطئ التلفزيون كانت جماهير المريخ في انتظار بطلها كيجاب وحملته علي الاعناق في مشهد مهيب ، وعقب وصول آخر السباحين ماجد طلعت فريد ، تم عقد لقاء مع السباحين بالتلفزيون علي الهواء مباشرة وهم بملابس السباحة ، بعد غرق مراكبهم بأمتعتهم وملابسهم .

كان سباق الجبل تحديا كبيرا لاتحاد السباحة وللسباحين لإنجاح هذا الحدث الذي كان كل السودان في انتظاره.

 كما كان سباق جبل الأولياء-التلفزيون نقطة تحول أدت لانتشار رياضه السباحة بالسودان ، والفضل يعود لكيجاب ، كما ان النجاح الكبير الذى لقيه السباق حدا بصحيفة الأيام بإعلان سباق للدراجات من الحصاحيصا للخرطوم ، والذي لقي رواجا كبيرا ، وكان من ثمراته تكوين إتحاد الدراجات السوداني.

 

     بعد سباق الجبل كان هناك هجمة كثيفة من أولياء الأمور علي المسابح لتعليم أبنائهم السباحة، مما أدى لانتشار واسع لمنشط السباحة.

بعد سباق الجبل استمرت التحديات بين أبطال السباحة ، واستطاع البطل ممدوح مصطفي بعد ٧ أشهر الثأر من البطل كيجاب في سباق الحديبة-عطبرة ، والذي أقيم يناير ١٩٧٥ بمدينة عطبرة علي هامش احتفالات أعياد الإستقلال ، بحضور الرئيس نميري ، وقد كان هناك حدث استثنائي إذ انه أثناء خطاب الرئيس نميري في اللقاء الجماهيري باستاد عطبرة ، سمع الناس بقرب وصول السباحين ، فتركوا الاستاد والرئيس نميري يخطب ، وتدفعوا ناحية النيل لاستقبال السباحين ، وكانت نتيجة السباق ممدوح مصطفي الأول ، ماجد طلعت الثاني ، وسارة جادالله الثالث ، وانسحب كل من كيجاب وفضل .. وهكذا الرياضة فيها الفوز والخسارة 

ألا رحم الله أبطالنا الذين فارقونا ممدوح مصطفي و بعده بشهر سلطان كيجاب ، وقبلهم البطل فضل سليمان ، وكل من فقدناهم من قبيلة السباحة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى