تقارير

الحرب تعصف بالتعليم في مناطق النزاع المسلح وتحرم الملايين من الدراسة 

تقرير - محمد فضل الله

أسهم طول أمد الحرب وعدم الاستقرار بمناطق النزاع النشطة بالسودان في حرمان ملايين التلاميذ والطلاب من التعليم والتعرض للانتهاكات وفقدان الأهل، وكذلك يتم الزج ببعضهم كمقاتلين في المعارك المشتعلة على الجبهات المختلفة. 

وتحول التعليم في ولايات دارفور الخمس وكردفان الثلاث من حق إلى حلم بعيد المنال، بعدما بات مستقبل التلاميذ والطلاب الدراسي في مهب الريح نتيجة إغلاق المدارس والمؤسسات التعليمية الخاصة والحكومية أبوابها لأكثر من عامين. 

 

من تلميذ إلى جامع حطب

إنتظر الطفل آدم الصادق على أمل أن تتوقف الحرب في محلية “اللعيت” في الجزء الشمالي ولاية شمال دارفور، لكي يتمكن من الذهاب إلى المدرسة، ولكن لم تحقق أمنيته، ولأنه أكبر الأبناء تحول من تلميذ في مرحلة الأساس، إلى عامل في جمع الحطب وبيعه في الأسواق، والذي يستخدم في طهي الطعام لإنعدام غاز الطبخ.

ويقول آدم لمنصة (مشاوير): أذهب في الصباح الباكر مع سطوع الشمس، إلى وداي مجاور للقرية حولي أربع ألى خمس كيلو مترات، لجمع الحطب، ومن ثم العودة في وقت الظهيرة، وأحياناً الامسيات، ومن ثم بيعه في اليوم التالي، أو الذي يليه، وأحيانا قد أضطر إلى الانتظار أسبوعاً كاملاً.

وأضاف “عندما أوصدت المدارس أبوابها قبل الحرب كنت في الصف السابع، وأمامي فقط عام آخر وكنت سأخضع لإمتحان الشهادة المتوسطة والعام أصبح عامين، ولاأدرى متى تسنح لي الفرصة هنا للإمتحانات.

وتابع : توقف التعليم هنا في المنقطة بسبب الحرب وفرار المعلمين إلى مدن آخرى ومنهم من غادر إلى دول الجوار الأفريقي مثل تشاد وليبيا. 

وزاد في القول : أنا أعول أسرتي من خلال مهنتي البسيطة، وإذا سنحت لي الفرصة سأعود من جديد لمواصلة دراستي، لدي الكثير لتحقيقه وأتطلع لذلك.

 

حمل السلاح مُكرهاً

بدوره، يقول نايل حمدان، الذي وجد نفسه من طالب يحمل القلم، إلى جندي يحمل السلاح، فهو يعيش في منطة السنوط، بولاية غرب كردفان، ويقاتل أنباء عمومته في إحدى المجموعات المسلحة، وعلى رغم من أنه العائل الوحيد الذي وجد إهتماماً من والده في جانب التعليم، إلى أنه عاد لسلك نفس الطريق الذي سلكه أشقاءه الأربعة الآخرين.

ويقول نايل لمنصة (مشاوير): إندلعت الحرب، وتوقف كل شئ، لم يكن أمامي خيار سوى الإلتحاق للقتال ومُكرهاً، لا حل أمام سوى الذهاب إلى ميدان المعركة، ولكن لطفت بي الأقدار حين تدخلت والدتي، وتحاججت أمام والدي الذي وافق في نهاية الأمر وعدت وتركت السلاح، ولكني توليت مهمة آخرى وهي الرعي الماشية. 

يواصل حديثه : أنا من دون أخواني لدي رغبة أكيدة في التعليم، من أجل تغير الوعي في هذه المنطقة، إذا وجدت أي فرصة في مغادرة الولاية سأذهب بلا شك ولكن إلى ساحة العلم لا الحرب.

 

تأثير بالغ 

على الصعيد نفسه، قال المتخصص التربوي بابكر الطيب لمنصة (مشاوير) ، إن “توقف المدارس منذ أكثر من عامين في مناطق النزاع المسلح أثر في الطلاب بصورة كبيرة، إذ يعانون فقدان أكثر من نصف تعليمهم بسبب استمرار الصراع، ويواجهون أيامهم بمشاعر قاتمة ونفسيات سيئة للغاية. 

وأضاف “تلاميذ الصفوف الدنيا من المرحلة الابتدائية تأثروا بصورة كبيرة بتوقف الدراسة، خصوصاً الصفان الأول والثاني، وإذا لم تتم معالجة الخلل، وهذا أمر غير موضوع في مخيلة القائمين على الأمر في كل المستويات بدءاً من الوزارة الاتحادية وحتى إدارات المدارس، فسيكون مصير هؤلاء التلاميذ الفشل، نظراً إلى أن هذه الأعوام هي الأساس الذي ينبغي أن تبنى عليه العملية التعليمية مستقبلاً. 

وأوضح الطيب أن “تصاعد المعارك في غرب وجنوب كردفان أدى إلى نزوح مئات الآلاف من المواطنين، لذا فقد الطلاب فرص التعليم، وكذلك صعوبة التحاقهم بمدارس أخرى في المناطق التي نزحوا إليها، خصوصاً من اضطروا إلى أن يلجأوا للعيش في مراكز الإيواء البعيدة من المدن. 

 

لجنة المعلمين ترفض 

على نحو متصل، أعلنت لجنة المعلمين السودانيين رفضها لقرار الحكومة بعودة المدارس للعمل، ووصفت الخطوة بأنها تجاهلٌ للواقع الأمني والصحي والاقتصادي المتدهور، وتشكل خطراً مباشراً على حياة العاملين في قطاع التعليم وأسرهم.

وقال المتحدث باسم لجنة المعلمين سامي الباقر إن “العودة إلى المدارس، حتى وإن تم التراجع عنها جزئيًا، جاءت دون مراعاة لأبسط معايير الأمن الوظيفي والسلامة المهنية. فالعديد من المدارس تعرضت لأضرار جسيمة بسبب الحرب، وتحولت بعضها إلى مواقع لدفن الجثث، دون أن تبادر السلطات بفحص هذه المباني هندسياً، أو نقل الرفات وتعقيم المرافق.

كما حذرت اللجنة من هشاشة الأوضاع الصحية، واستمرار تفشي الأوبئة مثل الكوليرا، في ظل غياب أي إعلان رسمي من وزارة الصحة بشأن السيطرة عليها، مما يجعل القرار تهديداً مباشراً لحياة المعلمين والتلاميذ على حد سواء.

وأشار الباقر إلى أن الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء والمواصلات والمواد الغذائية تكاد تكون معدومة، مما يجعل عودة المعلمين إلى مواقعهم شبه مستحيلة، كما نبه إلى حالة الانفلات الأمني، وانتشار السلاح، وغياب التدخل الفعّال من السلطات لمعالجة الأوضاع الميدانية.

 

تحذيرات أممية 

وبحسب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) فإن أكثر من 90 في المئة من الأطفال في السودان، وعددهم 19 مليوناً في سن الدراسة تأثروا جراء هذه الحرب، إذ يوجد 17 مليوناً منهم خارج المدارس حالياً، بينهم 7 ملايين كانوا خارج النظام التعليمي قبل الحرب، مشيرة إلى أن هذه الأزمة تعد من أسوأ أزمات التعليم في العالم بالنظر لما شهدته العملية التعليمية من تذبذب واضح. 

وقالت (يونيسيف)، إن الصراع الدائر في السودان أدى إلى نزوح 3 ملايين ونصف المليون طفل باتوا بلا مأوى، وكثير منهم فقدوا أسرهم جراء الحرب التي خلفت أكبر أزمة للأطفال في العالم، مؤكدة أن الخطر لا يزال يحيط بنحو 24 مليون طفل سوداني بسبب الكارثة الإنسانية ذات الأبعاد الملحمية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى