
يتساءل الكثيرون: هل حقاً ستدعم المملكة المتحدة حكومة الجنجويد؟ حتى يسيل لعاب الحلو وحوارييه هكذا.. ويتحجج المروجون لهذا السيناريو بالخلاصة التاريخية التي توصلت إليها بريطانيا أثناء حكمها للسودان، والموسومة بصعوبة حكم البلاد موحدة.. حيث دخل قانون المناطق المقفولة حيز النفاذ قبل ما يناهز الـ100 عام من الآن، وكان الافتراض حينذاك وجود مناطق عربية إسلامية في الشمال والوسط، ومسيحية إفريقانية في الجنوب، وأنماط تطور ما قبل الرأسمالية في الغرب، لا سيما حزام الصمغ العربي، وأخرى في الشرق.
ولحصاد ذلك الافتراض، تم اختيار مواطن بريطاني رئيساً لوزراء لحكومة الجنجويد، متناسين مؤشرين في غاية الأهمية: أولهما تنازل بريطانيا عن هذه السياسة الخارجية منذ العام 1946 بإلغاء القانون، وصعود اليسار في قيادة المملكة المتحدة حالياً.. صحيح أن المملكة المتحدة أيام جاك سترو في الخارجية وتوني بلير في رئاسة الوزراء دعمت انفصال الجنوب، لكن حزب العمال الحالي تعلم الدرس وراجع سياساته الخارجية.. وتحركات ديفيد لامي الحالية لا تعدو كونها مراوغة علاقات عامة، سوف تتغير جوهرياً مع أول تحرك لقوى وازنة. ولمعرفة الرجل جيداً، أنصح بالاطلاع على كتابه: Tribes: How Our Need to Belong Can Make or Break Society.
ومن لامي أقتبس: “الحاجة إلى الانتماء تسمح للأفراد بالتعاون وتحقيق إنجازات عظيمة لا يمكن تحقيقها بشكل فردي، لكن هذه الحاجة يمكن أن تتحول إلى قبلية ضارة، خاصة في ظل التحديات الحديثة: العولمة والرقمنة، والتي تؤدي لانقسامات أعمق”.. يبدو أن الذين يراهنون على الرجل يتوقعون أن يقوم بعكس ما يؤمن به وحزبه، لكن هذا الإطار الفكري الرمادي (ثقافة اللقاء) لا يمنع أن الرجل يريد نفوذاً أخضر مكافئاً للقوى الإقليمية، لا سيما شمال الصحراء وشرق البحر الأحمر، وسوف يجد عروضاً منها تكفيه شر ما يحاذر (المناطق المقفولة).
ولكن لماذا تريد قوات الدعم السريع الترويج لمزاعم تقاربها الاستراتيجي مع المملكة المتحدة؟ وفي هذا التوقيت بالذات؟ هل فشلت في تقديم نفسها لأمريكا كقوة بديلة للطبقة السياسية والعسكرية؟ أم أن هناك توتراً بينها وبين الداعمين، لا سيما بعد التفاهمات الأخيرة مع الحركة الشعبية – قيادة الحلو، بعيداً عنها، وهي نفس الحركة التي قاطعت محادثات جوبا للسلام عام 2020، بحجة أن وفد الحكومة يقوده زعيم الجنجويد والضامن للمحادثات: نفس الداعم الحالي لكليهما.
يبدو أن طرفي التحالف العسكري يعانيان من مشاكل داخلية وجودية ويريدان تصديرها للخارج، حتى لو كان ذلك من خلال الصحافة الصفراء، أو تجريب التعلق بأي شيء يطفو على أمل حفظ التماسك التنظيمي، وحتى لو تغيرت الأجندة والمبادئ واتجاهات البنادق كذلك.
يُتبع..
(*) باحث في معهد السياسات العامة – السودان