
مع دخول الحرب في السودان عامها الثالث دون أفق لحل يوقفها، تتضاعف معاناة السودانيين الذين يدفعون الثمن الأكبر للقتال المستعر، الذي تصاعدت معه وتيرة الإنتهاكات والتشرد والنزوح، بجانب الجوع والفقر والمرض، وظلت المعناة هي القاسم المشترك بين السودانيين.
وفي ظل هذه التحديات ينبغي أن تتوحد القوى المدنية والسودانيين أجمع نحو إرادة وطنية موحدة لحل الأزمات التاريخية للحروب من أجل إحلال السلام المستدام.
فالسلام لا يعني فقط غياب أصوات المدافع وانقطاع دوي الرصاص، بل هو أساس الحياة الكريمة والآمنة للإنسان، وهو الطريق الحقيقي نحو التنمية والاستقرار.
لقد خلف الصراع المسلح في البلاد آثاراً مدمرة على حياة المدنيين، وأدي إلى فقدان الأرواح، وتشريد الأسر، وانهيار الخدمات الأساس من صحة وتعليم وغذاء، وكذلك حُرم الأطفال من التعليم، والنساء تعرضن للعنف والانتهاكات، مما أدى لانهارت المجتمع وتصدعه اقتصادياً وصحيا.
إن تفاقم الأوضاع الإنسانية في مدن ومناطق عدة بالبلاد، نأأسباب كافية وملحة إلى وجود دور وطني إيجابي يُسهم في الوصول إلى اتفاق لاسكات البنادق والتصدي للكارثة الإنسانية التي فتكت بجميع السودانيين دون إستثناء.
ونأمل صادقين أن تتجاوز الكتل السياسية في السودان خلافاتها المزمنة على خلفية حسابات ضيقة وقبول الآخر المختلف والمضي في طريق حل سياسي سلمي يستند إلى الإرادة الوطنية، من اجل الوطن وإنساننه الذي عانى الأمرين، اسكات البنادق لايعني إسقاط الحقوق ولا العفو أو التجاوز عن الذين أجرموا في حق الوطن والمواطن، وصولا إلى عدالة انتقالية بجانب جبر الضرر وتعويض كل من فقدوا أموالهم وممتلكاتهم وأرواح أهلهم، وأن تنطفي نيران الحروب وتقتلعها من جذورها.
لإن طول أمد الحرب وتمددها يضاعف منمعاناة الناس، بالتالي يجب إيقاف دوامة العنف التي تفتك بالوطن وتحقيق سلام شامل ينهي الأزمات والأسباب التاريخية التي تؤدي لاندلاع الحروب في السودان لاحقا.
وفي تقديري إن السلام هو الحاضنة التي تنمو فيها قيم التعايش الإجتماعي والتسامح، وهو المناخ الذي يزدهر فيه الاقتصاد وتتحقق فيه العدالة ورد الحقوق إلى أهلها.
عندما يسود السلام، يعود الناس إلى منازلهم، وتُبنى المدارس، وتزرع الأراضي، وتستعاد الحياة الطبيعية، كما يتيح السلام الفرصة للمجتمعات لمعالجة آثار الحرب النفسية والاجتماعية،. والمضي قدماً في طريق الحياة والاستقرار.
لا تقتصر مسؤولية بناء السلام على الحكومات فقط، بل تمتد لتشمل المجتمع بكل مكوناته، الشباب والنساء والمثقفين والحكماء، وكذلك قادة الرأي الذين يرفعوا من شأن تماسمك المجتمع ونفذ الفتن التي تفتك به.
إن نشر ثقافة الحوار ومحاربة خطاب الكراهية وتعزيز قيم المواطنة والتعايش السلمي بين مختلف المكونات، تعد خطوات حقيقية نحو سلام دائم وبيئة خصبة تمهد لاستقرار دائم وتنمية تشمل العقول والحقول معا.
وبمقدور الإعلام أن يلعب دوراً محورياً في التوعية ونبذ خطاب الكراهية والتوثيق وتعزيز ثقافة السلام المجتمعي.
وفي ظني أن بناء السلام لا يحدث بين عشية وضحاها، بل يتطلب إرادة حقيقية وتعاوناً دولياً ومحلياً، وجهوداً مكثفة لإعادة الإعمار وبناء الثقة،وجعل الوطن هو محور التماسك ونقطة الإطلاق نحو بنيانه وتطويره.
ومع ذلك، فإن بذور السلام تبدأ من داخل كل فرد، من قراره بأن يسلك طريق التفاهم بدلاً من العنف وطريق البناء بدلاً من الهدم.
السلام ليس حلماً بعيداً، بل هو حق لكل إنسان، هو أساس الحياة الآمنة والمستقرة، وكذلك الضامن الوحيد لمستقبل الأجيال القادمة.
السلام هو الأساس الذي تُبنى عليه المجتمعات المستقرة والمزدهرة، وبدونه تتعطل عجلة التنمية، وتضيع فرص التقدم.
فحين يسود السلام، يجد الأفراد بيئة آمنة تساعدهم على العمل، والتعليم، والإبداع، والمشاركة في تطوير أوطانهم ورفع شأنها.
كما يُمكّن السلام الحكومات من توجيه الموارد نحو تحسين الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والبنية التحتية.
كما يلعب السلام دوراً كبيراً في تعزيز التماسك الاجتماعي والتعايش بين مختلف مكونات المجتمع، مما يسهم في الحد من الكراهية والعنف، ويشجع على الحوار والتفاهم. الوحدة.
وفي بيئة يسودها السلام تنمو القيم الإنسانية مثل العدالة والمساواة والاحترام المتبادل، وهي عناصر ضرورية لبناء مجتمع متوازن ومتماسك.
ولا يمكن إغفال الأثر الإيجابي للسلام على الاقتصاد، إذ يشجع المستثمرين ويحفز الإنتاج، ويوفر فرص العمل، كما يسهم في عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، ويساعد في إعادة إعمار ما دمرته الحروب.
السلام ليس مجرد غياب للحرب، بل هو عملية متواصلة تتطلب المشاركة المجتمعية، والعدالة الاجتماعية وحسن إدارة التنوع والاختلاف لضمان بناء مجتمعات تنعم بالأمن وتزدهر بالتنمية.
تحقيق السلام يوفر الأمن الذي يسمح بفتح ملفات الانتهاكات، وإجراء المحاكمات وتنظيم جلسات الاستماع للضحايا.
السلام يوفر الاستقرار السياسي والأمني اللازم لبدء تنفيذ برامج العدالة الانتقالية مثل محاكمات الجناة وجبر الضرر للضحايا، وكشف الحقيقة.
في ظل الحرب تكون هذه العمليات شبه مستحيلة، أما حال إحلال السلام يمكن للدولة والمجتمع العمل بشكل مؤسسي ومنظم.
وبلا شك يخلق السلام مناخاً يدعم الحوار والتسامح بين الأطراف المتنازعة، ومن خلال العدالة الانتقالية تُعالج آثار الانقسامات الماضية عبر آليات مثل لجان الحقيقة والمصالحة، مما يعزز من قبول الضحايا للعيش المشترك ويمنع الانتقام.
والأكثر أهمية فإن السلام يمنح المؤسسات القضائية والحقوقية الفرصة للعمل بفعالية لمحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، ويرسل ذلك رسالة واضحة مفادها أن السلام لا يعني النسيان، بل يعني العدالة ضمن إطار قانوني وإنساني.
بفضل الاستقرار الذي يوفره السلام يصبح الضامن لاحترام حقوق الإنسان وتطبيق القانون بعدالة وهو ما يعد جوهر العدالة الانتقالية.
عندما تمكن الدولة من تحقيق العدالة في ظل السلام، تزداد ثقة المواطنين بها، ويشاركون في عملية بناء المجتمع والمصالحة.
من دون سلام، تبقى العدالة الانتقالية مجرد حلم مؤجل؛ ومن دون عدالة، يصبح السلام هشاً وعرضة للانهيار، لذا فإن التلازم بين السلام والعدالة الانتقالية أمر حتمي لتحقيق الاستقرار والمستقبل الأفضل.
فلنعمل معاً أفراداً ومؤسسات من أجل ترسيخ ثقافة السلام، لأن حياة المدنيين تستحق أن تُحمى وتُحترم وتزهر في حقل الوطن الواحد.