تقارير

مخلفات الحرب تهدد حياة السودانيين العائدين إلى منازلهم 

كردفان - تقرير - برعي الأبنوسي

تواجه السودانيين العائدين للمناطق المحررة من قبضة قوات “الدعم السريع” بخاصة النازحين واللاجئين مخاطر عدة، إذ تشكل الأجسام الغريبة والذخائر غير المنفجرة من مقذوفات المدفعية (الدانات) وبقايا شظايا الرصاص النحاسية وغيرها خطراً داهماً على حياة المواطنين مع تزايد أعداد ضحايا تلك المخلفات كل يوم.

وتتزايد المخاوف من تعرض سكان ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار لأخطار منها الموت والإصابات نتيجة عدم اكتشاف مواقع أخرى للألغام والمخلفات الأرضية القابلة للانفجار، نظراً إلى ما تمثله من تهديد مباشر على حياة المدنيين والأطفال تحديداً وتسبب الإعاقات الدائمة أو التشويه الملازم طوال العمر.

ومع قرار فتح المدارس في ولاية الخرطوم وعدد من المدن السودانية الأخرى، تخشى عديد من الأسر من المخاطر الجسيمة لمخلفات الحرب على التلاميذ والطلاب، والعمال في الأسواق.

حوادث انفجار

إلى ذلك سجل المركز القومي لمكافحة الألغام في السودان “40” حادثة انفجار بسبب الألغام ومخلفات الحرب أسفرت عن مقتل “16” شخصاً وإصابة “50” آخرين في مناطق متفرقة من البلاد منذ أبريل الماضي.

وأسفر انفجار مقذوف مدفعي كبير داخل إحدى المدارس في قرية الغبشة شرق مدينة أم روابة بولاية شمال كردفان، عن سقوط ثلاث ضحايا وتسعة جرحى. 

وفي مدينة الأبيض عاصمة الولاية تسبب انفجار مقذوف سلاح بوفاة طفل وإصابة ثلاثة آخرين.

وفي شمال أم درمان شكا مواطنون من وجود نفايات حربية جرى تفريغها من قبل مجهولين غرب الحارة (80) بينها ذخائر متنوعة غير منفجرة تسببت في بتر أصابع يد طفل حاول العبث ببعضها.

منازل مدمرة

مأساة الأطفال

بحسب المجلس القومي لرعاية الطفولة السوداني، فإن أكثر من 15 ألف طفل أصيبوا بسبب الأجسام المتفجرة في مناطق النزاع.

وفي مدينة أم درمان يرقد مؤزر منذر (15 سنة) بلا حراك على سريره بمنزل الأسرة التي عادت من رحلة النزوح في ولاية الجزيرة منذ أربعة أشهر، إذ فقد أجزاء من أطرافه نتيجة انفجار جسم متفجر.

بسبب الحادثة بتر جزء من كفه، وقطعت أجزاء من أصبعيه السبابة والوسطى من يده اليمنى، وأصيبت قدمه اليمني بكسور وجروح عميقة، وتكسرت عظام اليسرى وقطع شريانها، ولا يزال ينتظر إجراء ثلاث عمليات جراحية إضافية.

تقول والدته ليلى “بعد رحلة النزوح في ولاية الجزيرة، عدنا إلى منزلنا بمدينة توتي بالخرطوم، وجدنا أن جدار المنزل تعرض للهدم من قبل قوات ’الدعم السريع‘ بهدف نهب وسلب العربات ذات العجلات الثلاث (ركشات)، فقررنا ترميمه، وخرج مؤزر ليساعد في إعادة البناء، وفور جلوسه على كرسي في ساحة المنزل، انفجر الجسم المتفجر من تحته.

وأضافت “حين حدث الانفجار ظننت أن طائرة مسيرة استهدفت الحي، لكنني فوجئت بزوجي يحمل ابني وهو يصرخ، كان مشهداً مروعاً، وعلى وجه السرعة نقلناه إلى مستشفى السلاح الطبي، ومنه إلى مستشفى أم درمان، وبقينا هناك فترة شهرين. 

مخلفات الذخائر

ألغام محرمة

كشف المركز القومي لمكافحة الألغام في السودان عن ثلاثة حقول ألغام مضادة للإنسان محرمة دولياً في منطقة المقرن وغابة السنط جنوب غربي الخرطوم، زرعتها المجموعات المسلحة خلال المعارك التي كانت دائرة في العاصمة.

وعد مدير المركز اللواء خالد حمدان أن “قيام الميليشيات بزرع مثل هذه الألغام يشكل إضافة خطرة لسلسلة الانتهاكات التي ارتكبتها خلال الحرب الحالية، مما يتنافى مع الاتفاقات والمعاهدات الدولية. 

وأشار إلى أن “اتفاق أوتاوا يحظر استخدام وتصنيع ونقل الألغام المضادة للأفراد، المخالفة لمبادئ القانون الدولي الإنساني، ويعد السودان من أوائل الدول المنضمة إليه. 

وأضاف حمدان أن “هذه الألغام شديدة الخطورة كونها مصنوعة من البلاستيك مع كمية ضئيلة جداً من المعادن، مما يجعل اكتشافها صعباً للغاية ويتطلب فرقاً متخصصة وأجهزة حديثة ذات قدرة عالية على التقاط الإشارات. 

منازل مدمرة

عملية مكلفة ومعقدة

بدوره قال المسؤول في “مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الألغام” في السودان معتز عبدالقيوم، إن “عمليات إزالة المخلفات الحربية والأجسام غير المتفجرة مكلفة وطويلة، وإجراءات التدقيق والبحث تستغرق فترة زمنية طويلة قد تطرأ خلالها أحداث مؤسفة قد تترافق وعودة السكان بكثافة إلى أحياء الخرطوم المختلفة. 

وأضاف أن “تنفيذ العمليات يحتاج إلى “10” فرق وسيكتمل العمل خلال أربعة أعوام، لأن المناطق التي تشهد زرع المخلفات في الخرطوم يجري اكتشافها بصورة دورية كل “60” يوماً. 

وما يزيد الوضع تعقيداً، وفق عبدالقيوم، أن عمليات زرع الألغام في ولاية الخرطوم على وجه التحديد جرت بصورة عشوائية ومن دون أي خرائط أو ترك أي دليل على مناطق وجودها.

مخلفات الذخائر

أولوية وحماية 

على الصعيد نفسه، أعرب الناشط في مجال حماية الأطفال حسام نصر في حديثه لمنصة (مشاوير) ، عن أسفه لأن تكون شريحة الأطفال هي الأكثر تأثراً بمشكلة مخلفات الحرب من مقذوفات وذخائر غير منفجرة، كثيراً ما يظنها الأطفال مجرد ألعاب يعبثون بها، فتنفجر بهم، وأحياناً يجلبونها معهم إلى المنازل غير مدركين بخطورتها وما يمكن أن تسببه من أضرار، إذ ليس لديهم الإدراك الكافي لتأثير المخلفات الحربية فيهم. 

ونوه بأن “أولوية السلطات في المدن والمناطق التي جرى تحريرها من قبضة قوات” الدعم السريع” ينبغي أن تكون محصورة بتطهير وإزالة المخلفات، بخاصة الخرطوم والجزيرة، حيث يتجاوز عدد السكان” 17″ مليون نسمة. 

وأشار نصر إلى أن “التقاعس في إزالة الأجسام غير المتفجرة يعني ببساطة القضاء على أي مستقبل أمام من بقي على قيد الحياة من أطفال السودان الذين يشكلون” 40″ في المئة من تعداد سكان البلاد البالغ أكثر من 45 مليون نسمة، وفق آخر إحصاء رسمي. 

ولفت الناشط في مجال حماية الأطفال إلى أن “اليافعين العالقين في ولايات الخرطوم والجزيرة وسنار معرضون لخطر مخلفات المقذوفات غير المتفجرة الناتجة من الحرب وسط الأحياء السكنية، ومن ثم يجب على السلطات والمنظمات المعنية التعامل الفوري معها بالسرعة المطلوبة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى